ناهض حتّر
في تلفزيون “النيو تي في” الجريء، أعلن الصحافي اللبناني، شارل ايوب، ان لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، استجوبته حول آرائه السياسية، وخصوصا لجهة إلحاحه على الحفاظ على العلاقات الاخوية بين لبنان وسورية في مواجهة اسرائيل!
ايوب هو واحد من الـ 500 شاهد الذين قابلتهم “اللجنة” .. وأجرت معهم – في الغالب – «حوارات» سياسية. معظمهم – بالطبع – كان يحرض على النظام السوري، وبعضهم كان يمتلك الشجاعة والضمير الحيّ، لانه لا يريد – مثلما قال ايوب – ان يكون مقتل الحريري، حجة لامريكا واسرائيل في تدمير سورية والسيطرة على لبنان.
اعتمدت “اللجنة” – بالاساس – في توجيه اتهاماتها “الجنائية” الى سورية، على شهادة السوري هسام هسام، المعروف “بالشاهد المقنع”. وهو شخص صاحب سجل كان يأمل بالحصول على أموال طائلة من وراء شهادة الزور، لكنه اخفق في الحصول عليها، وربما تعرض، لاحقا، الى ضغوط قوية من دمشق، فانتقل اليها، وكذب شهادته.
هسام هسام شخصية هشة بكل المقاييس، ورواياته المتناقضة امام «اللجنة» – بالقناع – او في دمشق – حين كشف عن وجهه – لا يُعتد بها. لكن اعتماد تقرير «اللجنة» على هكذا شاهد، ضرب صدقيتها في العمق، واطاح بالتحقيق الدولي ونزاهته، وأربك رئيس التحقيق، القاضي الالماني ديتليف ميليس الذي ظهر كأضحوكة، وقرر الهروب من القضية، بينما يتوسل الامريكيون بقاءه، للحفاظ على سير التحقيق بالاتجاه المرغوب.
مدير الامن العام اللبناني السابق، جميل السيد، اعتقلته «اللجنة»، بناء على مواجهة مع الشاهد هسام هسام، واقتصرت المواجهة على نصيحة مطولة من الشاهد الى السيد، «للتعاون والنجاة بنفسه .. لان النظام السوري سوف يسقط قريبا جدا.» ويبدو ان هذه النبوءة كانت مهيمنة لدى الاوساط اللبنانية المحيطة «باللجنة»، بحيث نشأ سباق على تبرئة الذمة السياسية لصالح الخط الامريكي – الاسرائيلي.
نحن لا نبرىء – او نتهم – النظام السوري، في قضية اغتيال الحريري، ولكن اظهار الحقيقة الجنائية، يتطلب تحقيقا مهنيا جادا ومحايدا ومسؤولا، بينما يلعب التهييج السياسي دورا معاكسا، فهو يخلط الاوراق ويضيع الحقيقة الجنائية، اما الحقيقة السياسية فهي واضحة تماما: فدمشق هي التي ساندت رفيق الحريري كزعيم لبناني، وكانت الطغمة الامنية السورية – اللبنانية هي القوة الرئيسية وراء الحريري – وشريكته، واذا كنا بصدد محاكمة سياسية لفترة الهيمنة السورية على لبنان، فهذه المحاكمة سوف تشمل الجميع واذا كان الحريري قد تمرد على حلفائه في لحظة اقليمية ودولية ودفع حياته ثمنا لذلك – فان اغتياله لا يمنح تياره شرعية استمرار الهيمنة على لبنان واحتلابه، ولكن هذه المرة تحت الوصاية الامريكية – الفرنسية.