ناهض حتّر
سيناريوهان يتقاطعان في العراق، حتى انتخابات الكونغرس الامريكي النصفية. وهما يتقاطعان في نقاط مشتركة بدأ تطبيقها مبكرا. الخطة الامنية لبغداد، والحملات العسكرية في الانبار والمحافظات الغربية – الشمالية، بما في ذلك العقاب الجماعي وارهاب المدنيين المؤيدين للمقاومة، وفي الوقت نفسه البدء باطلاق سراح المحسوبين عليها، والتحضير لعفو عام عن السجناء والمعتقلين على ذمتها، والبدء بمباحثات مع قياداتها الاكثر اعتدالاً. انها سياسة العصا والجزرة، المعهودة، مكثفة في اجراءات تجمع بين اللين والشدة، وتفتح سياقاً لاندماج العرب السنة في النظام السياسي الذي انشأه الامريكيون، ولم يزل متعثراً.
لكن السيناريوهين، مختلفان جذرياً فيما يتصل بجوهرهما السياسي. فالاول – المرتبط بنجاح صفقة امريكية – ايرانية شاملة – يركز على تقديم دعم مكثف لرئيس الوزراء نوري المالكي، لتوسيع وانجاح برنامجه للمصالحة الوطنية، وادماج جماعات المقاومة، وحل المليشيات، وتحسين آليات استخراج النفط واخضاع تصديره ووارداته لسلطة الحكومة المركزية، وتسريع اعادة اعمار البنى التحتية، وتعزيز الاقتصاد، وبالتالي، تطبيع الوضع العراقي.
اما السيناريو الثاني المرجح، خصوصاً اذا فشلت المفاوضات الايرانية – الامريكية، لكنه يظل، قائماً، على كل حال، كبديل شامل – فهو الانقلاب العسكري الذي سوف يطيح بالعملية السياسية والبرلمان والحكومة والرئاسة والاحزاب والمليشيات وينشىء – او يحاول ان ينشىء حكماً عسكرياً قوياً، قادراً على تنفيذ الخطط اللازمة لاخراج العراق من الفشل.
وعلى الرغم من ان السيناريوهين يتسابقان فان المعطيات المتسربة المتوفرة، ترجح اتجاه الامريكيين الى الاخذ، في وقت قريب، بخيار الانقلاب العسكري، باعتباره الاداة الاكثر ملاءمة لاستعادة «هيبة» السلطة في العراق، واعادة ترتيب هذه السلطة على نحو يتجاوز الحصص الطائفية المقننة بالانتخابات، ونفوذ التيارات والاحزاب والمليشيات ورجال الدين المؤيدين لايران. وقد ظهر هذا الاتجاه، بقوة، في تصريحات قائد القوات الامريكية في العراق، الجنرال كيسي، امس والتي اتهم فيها الايرانيين، صراحة، بالقتال ضد القوات الامريكية وزعزعة الامن في العراق.
السيناريوهان سوف يحتاجان الى غطاء ودعم عربيين. لكن سيناريو الانقلاب العسكري ربما يحتاج الى الاستعانة بقوات عربية تدعم الحكم العسكري العراقي، وتمنح الشرعية لاجراءاته، وتمكن العرب السنّة – بمن فيهم المقاومون وحتى البعثيين – من استعادة مواقعهم او قسم اساسي منها – وهذه الرؤية تلاقي– بالفعل حماسة عدة عواصم عربية.
لذلك، فان الحاح المالكي على تجريم المقاومة المعتدلة، ووصمها هي ايضاً، بالارهاب، ورفضه التراجع عن اجتثاث البعث، يأتيان في سياق الممانعة الشيعية لاتجاه امريكي يرى انه آن الأوان لادراك انه من غير الممكن تطبيع الوضع العراقي من دون صفقة اساسية تستعيد قسماً اساسياً من ترتيبات وكادرات النظام السابق، لكن، بالطبع، من دون واجهته الايديولوجية او القيادية.
الادارة الامريكية تسعى – في اسرع وقت وبأيّ ثمن – الى انجاز مزدوج يتيح لها في الوقت نفسه، سحب القسم الاساسي من قواتها من العراق وضمان بقاء البلد تحت سيطرتها، سياسياً واقتصادياً.
مع الانقلاب العسكري القادم في العراق، سوف تسقط، نهائىاً، الادعاءات الامريكية حول مشروع الديمقراطية في الشرق الاوسط، وتكون آخر الاكاذيب حول مبررات الغزو قد انفضحت. وسيؤدي ذلك الى تعاظم النزعة المعادية للحرب في الولايات المتحدة، ويحاصر الادارة الجمهورية، ويطيح نهائياً، بصدقية سياساتها الخارجية.
لكن، سيؤدي انقلاب عسكري في العراق، الى تجديد الدكتاتوريات العربيّة ويفرض على المنطقة مرحلة مؤقتة من القمع المنهجي للمعارضات والمجتمعات، من دون ان يسمح ذلك بتطبيع الوضع العراقي.
فصيغة الحكم العسكري سوف تفشل هي الاخرى وتجرّ بلداناً عربية اخرى الى دائرة اللا – استقرار والفشل – اذ انه من غير الممكن ان ينشأ عراق موحد وآمن ومزدهر في ظل الاحتلال او السيطرة الاجنبية او استعادة الصيغ القديمة.
لن ينجح المالكي في اعادة ترتيب القوى الشيعية او استيعاب السنة، ولن ينجح الانقلاب العسكري في اعادة الجماهير الشيعية الى قمقم. فقط دولة عراقية مستقلة مركزية وطنية فوق – طائفية، هي التي تستطيع اعادة بناء العراق. وهذا المشروع الوطني العراقي – مشروط بزوال الاحتلالين، الامريكي والايراني معاً. والمشروع صعب ولكنه ممكن اذا خرج الامريكيون، فسوف ينشغل العراقيون بالايرانيين. وخلال هذه العملية التحررية المعقدة، سوف تنشأ نخبة حكم عراقوية تعيد تأسيس الدولة الوطنية.