انشقاق

في لحظة كتابة هذا المقال، لم يكن مؤكدا بعد أن رئيس الوزراء السوري المُقال/ المنشق، رياض حجاب، قد وصل إلى عمان أم إلى بيروت، أم أنه سيصل إلى عمان من بيروت، كما لم يتم التيقن من مقصده التالي: الرياض أم الدوحة؟ لكن الغموض الذي لم نستطع، رغم اتصالات نوعية عديدة، فك رموزه، يكشف شيئا جوهريا، وهو أننا بإزاء عملية استخبارية معقدة لا بإزاء انشقاق سياسي ناجم عن صحوة ضمير. المعلومات الآتية من دمشق، لا تقل، بدورها، غموضا. فهناك، مثلا، تأكيدات بأن حجاب فرّ بعد أن تمت إقالته بسبب عرقلته توقيع اتفاق نفطي عقده نائب رئيس الوزراء، قدري جميل مع الروس، ويتضمن مبادلة النفط الخام السوري بالمنتجات النفطية الروسية. في الوقت نفسه، تم تداول تفسير آخر لفرار حجاب يدور حول انكشاف اتصالاته مع الخليج وتركيا، خلال التحقيق مع عدد من الضباط الخليجيين والأتراك الذين جرى اعتقالهم في حلب أمس الأول. ويُترجم هذا الغموض، اضطرابا وفوضى في المستوى السياسي في النظام السوري، يفتح الباب أمام التأويل الأساسي للتطورات الحاصلة في سورية منذ نجاح عملية التفجير الاستخبارية في مكتب الأمن القومي بدمشق، والتي أودت بحياة أربعة من قيادات الصف الأول في النظام السوري منذ ثلاثة أسابيع. يقوم ذلك التأويل على القول بأن المستوى العسكري سيطر كليا على مفاتيح القرار في سورية، بحيث لم يعد هناك فرصة لحلول أو تنازلات سياسية. قرار المؤسسة العسكرية بالحسم مبني على رؤية تنطلق من أنه ليس في وارد التحالف الغربي الخليجي التركي، أية نية للتسوية في سورية، وأن الرد الاستراتيجي الوحيد المتاح هو خوض المعركة حتى النهاية. وبالفعل، ينفذ الجيش السوري، اليوم، خطة عسكرية أمنية، لا تأخذ الاعتبارات السياسية بعين الاعتبار. وهو ما من شأنه إحداث تصدعات في المستوى السياسي للنظام من قبل المعترضين أو المتوجسين أو المخترقين الذين توصلوا إلى قناعة بأن البقاء في مواقعهم أصبح محاطا بمخاطر الانكشاف.يشكل انشقاق رئيس الوزراء ـ أو طرده وفراره ـ ضربة موجعة للنظام السوري، لكن سيكون من السطحية بمكان، منحها معنى مفصليا كما تدعي تحليلات دعائية.رئيس الوزراء في سورية ليس جزءا من قلب النظام، وانشقاقه لا يعكس تشققات داخل الخلية الرئيسية الحاكمة، ولا تصدعا في مركز القرار الذي يقبض عليه الجيش. فهل جاء الوقت، لكي يتوحد الباطن والظاهر في السياسة السورية، ونشهد حكومة عسكرية تعمّق ثلاثة خيارات معا: الحل العسكري ببعديه المحلي والإقليمي، والحل الاجتماعي بالاتجاه يسارا إلى أبعد مما يتوقع الجميع، والحل الاستراتيجي بتوطيد تحالف متعدد المجالات مع القطب الروسي البازغ. أردنيا، أخشى أن يستنتج أولئك الذين يدفعون الأردن لشراء الأوهام بشأن سورية، أن اللحظة أصبحت، بعد انشقاق حجاب، مواتية لتعميق وتسريع مداخلة أردنية بالغة الخطورة في سورية. إن انشقاق رئيس وزراء له صدى درامي في سورية، بالنظر إلى اشتعال الأزمة فيها، لكنه، في النهاية، شأن اعتيادي حدث مثله في الأردن سنة 70 حين انشق رئيس الوزراء محمد داود وفر وحدث مثله قبل بضعة شهور حين أرسل رئيس الوزراء عون الخصاونة استقالته من تركيا، وعاد إلى أحضان الإخوان المسلمين في عمان. سوى أن دمشق خلاف الأردن في حالة حرب .

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.