ناهض حتّر
الحرب الأهلية في ظل الاحتلال، تدعو للرثاء، بقدر ما تثير الفجيعة، انها مأساة فانتازية مآلها الانتحار الوطني. فالاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني لن ينتهي بانتصار أي من الاطراف المتحاربة، بل سينتهي الى تكوين الشروط العملية والنفسية والسياسية لاستعادة الوصاية العربية والدولية على القضية الفلسطينية. وهي فكرة لم تعد – بعد- ممنوعة او مذمومة، طالما ان اصحاب القضية، يتذابحون بلا مسؤولية.
السبب الرئيسي وراء الاقتتال الداخلي في فلسطين، هو وقف القتال ضد الاحتلال الاسرائيلي. ولا أنكر هنا، أنه جرت- وتجري احياناً عمليات متناثرة ضد الاسرائيليين او اشتباكات معهم. لكنني أتحدث عن تعطيل شرعية المقاومة- كمشروع- بالنسبة ل¯ «فتح» منذ اتفاقيات اوسلو عام ،1993 وبالنسبة ل¯ «حماس» منذ قبولها «بالتهدئة» وانخراطها في العملية السياسية الجارية تحت الاحتلال، وبالاتفاق معه.
تعطيل المقاومة -الشرعية والمشروع- هو الذي يخلق الميدان اللازم للاقتتال بين اخوة السلاح، المعطّل تجاه العدوّ، ولكنه يشغل بطالته الوطنية بالاحتراب على «السلطة» بهذا المعنى، فاننا ندين «فتح» والفصائل التابعة لها، و«حماس» وحلفاءها، على قدم المساواة، من دون ان نغفل وقائع المسار الفعلي للأحداث.
منذ ان فازت «حماس» بالاغلبية البرلمانية، مطلع هذا العام، يلاحظ المراقب ان «فتح» التي سلمت -شكلياً- بهذه النتيجة، لم تبد أيّ استعداد للتعاون الوطني. بالعكس، فهي شنت، بصورة مثابرة هجمات سياسية واعلامية منظمة ضد الحكومة الحماسية. وهي استغلت الحصار الاسرائيلي- الامريكي- الدولي- العربي على هذه الحكومة، لاضعافها، واخضاعها للاستسلام، بل ان السلطة الفتحاوية، اتخذت من المصاعب المالية واللوجستية التي تواجهها الادارات الحكومية الحماسيّة المحاصرة، وسيلة للتحريض، وتحريك اعتصامات واضرابات ومظاهرات مطلبيّة – وكأن فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة!- وقد بدأت هذه التحركات سلمية، ثم تحولت الى حمل السلاح وقطع الشوارع والاعتداء على المؤسسات، واشعال الحرائق والخطف.. الخ وباختصار: اطلاق الفوضى الامنية من عقالها. بل ان اجهزة الأمن – التابعة للرئاسة الفتحاوية- نزلت بنفسها الى الشارع في مظاهرات مسلحة، لا يمكن النظر إليها إلّا بوصفها انقلابا على الشرعية الحكومية. وهي، ههنا، شرعية ديمقراطية.
ولذلك، فإن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الحماسيّة- ثم تراجعت عن بعضها- هي اجراءات متوقعة من قبل حكومة مسؤولة، تستخدم قواتها لكبح جماح الفوضى، والحفاظ على الشرعية الديمقراطية وأمن المواطنين.
ولا نظن ان أية حكومة -بالمطلق- تقبل السكوت على المظاهرات المسلحة، واستباحة الأمن العام، وتحول الشرطة الى متمردين.
ان استخدام الفوضى الأمنية لتحقيق مكاسب سياسية، هو تقليد فتحاوي قديم. وقد سبق ل¯ «فتح» ان استعملت هذا الاسلوب في غير بلد عربي، لكن ممارسته على الارض الفلسطينية المحتلة، هو -مثلما اسلفنا- انتحار جماعي، فبإسقاط الحكومة الفلسطينية الشرعية بالضغوط الاسرائيلية والحصار الدولي وبالسلاح الفتحاوي – سوف تفقد «فتح» ايضا شرعيتها الوطنية والسياسية والدستورية، ويدخل الوضع الفلسطيني كله في دائرة الفراغ.
فما المخرج من هذه المأساة؟
اولاً- تشكيل حكومة اتحاد وطني من دون شروط.
ثانيا- وقف التعاطي مع اللعبة الاسرائيلية الامريكية- العربية، المسماة «العملية السلمية؟»
ثالثا- اعادة الاعتبار للمقاومة، شرعية ومشروعا، وتوحيد المجتمع الفلسطيني وتحشيده وراء النضال- المتعدد الاشكال- لطرد الاحتلال واقامة الدولة المستقلة.
***
عنوان الوحدة الوطنية الفلسطينية- كان وسيظل- هو كنس الاحتلال وعودة اللاجئين وبناء الدولة.. وليس «الاعتراف باسرائيل»!
هل تعيد القوى الفتحاوية حساباتها، وتتوصل الى القبول بالشراكة الوطنية تحت هذا العنوان . ام انها ستواصل الضغوط لاجبار كل القوى الفلسطينية على الخضوع لسلطتها، المنفردة وبرنامجها واعترافها باسرائيل؟
الاجابة على هذا السؤال هي التي ستحدد اتجاهات المرحلة الفلسطينية المقبلة.