في السبعين، قامت فتاة ‘معارضة’ بتمزيق جواز سفرها الأردني على الملأ في الجامعة الأمريكية ببيروت. حسنا.. كوفئت لاحقا، باستلام أعلى المناصب في الدولة الأردنية. بالمقابل، فإن الآلاف ممن احترقت أرواحهم وأصابعهم وحيواتهم في الزنازن والسجون والبطالة في حمأة النضال من أجل الأردن، كانت جوازاتهم محجوزة، ويطالبون بها، حتى لو كانوا ممنوعين من السفر، يحفظونها ويحفظون كرامتها كجزء من الكرامة الشخصية. عندما يكون المرء من عُصبة البلد وروحها، فإن معارضته العالية لنظام الحكم لا تمتد حقدا على الوطن واستهانة بالانتماء للدولة الوطنية. مَن يفعل ذلك ليس أردنيا.
من حق أي حزب أو حركة، رفض قانون الانتخابات، ومقاطعة الانتخابات نفسها، والتحريض على مقاطعتها. هنا نتحدث عن موقف سياسي. لكن الدعوة إلى مقاطعة التسجيل في الهيئة الناخبة، هو موقف لا وطني.
الدعوة إلى مقاطعة التسجيل في الجداول الانتخابية، حدث غير مسبوق إلا في ظل الاحتلال ـ كما جرى، مثلا، في العراق عام 2004 ـ وهو مثال كان أحرى بالإخوان المسلمين اتباعه في الضفة الغربية وغزة المحتلتين، لئلا يعطوا لاتفاقيات أوسلو الشرعية. لكنهم سجلوا وانتخبوا ونافسوا وأصبحوا برلمانا وحكومة تحت الاحتلال، واليوم يستغل أولئك الذين اندرجوا حتى الأذنين في العملية السياسية في ظل الاحتلال، تحالفهم المستجد مع الغرب الإمبريالي، للاستقواء على الدولة الأردنية بالديموغرافيا، وهدفهم هو تحطيم شرعيتها.
لماذا؟ لأنهم يسعون، ببساطة، إلى انتخابات تشكل انقلابا سياسيا، لا على نظام الحكم، لكن على الدولة الوطنية الأردنية وتركيبها وهويتها. وإذا لم يحدث ما يخططون له بالسياسة، فسيسعون إلى تحقيقه بوسائل أخرى.
دعونا نضع النقاط على الحروف، ونسأل: ما هو، اليوم، مضمون الصراع على قانون الانتخابات والتعديلات الدستورية؟ أليس تمكين النخب الإسلامية والليبرالية من أصل فلسطيني من تكوين أغلبية برلمانية وحكومة ذات صلاحيات تستكمل المشروع الواقعي للوطن البديل؟
العقلية التي أنتجت موقف مقاطعة التسجيل ليست عقلية معارضة وطنية، وإنما تصدر عن هوس انقلابي يتوهم أصحابه أن الفرصة قد واتتهم، خصوصا أن تجاهل الحكم لمطالب المحافظات في تصفية ملفات الفساد ومراجعة الخصخصة والتنمية والعدالة الاجتماعية، قد خلق مناخا مؤاتيا لتوسع ظاهرة المقاطعة الناجمة، هنا، عن اليأس.
المفارقة أن المسؤولين الأردنيين يمارسون اللعبة على الملعب الإخواني الليبرالي نفسه، فيذهبون نحو الاستعانة بالتنظيمات الفلسطينية لضمان مشاركة المخيمات! أي أنهم يتخلون طوعا عن السيادة الوطنية ووحدة الشعب الأردني، لضمان الحفاظ على مصالح النخبة الحاكمة وامتيازاتها.
لقد قلنا مرارا وتكرارا أنه من المستحيل على الحكم أن يواجه خصمين معا؛ الحلف الإخواني الليبرالي والحراك الأردني. هذه وصفة انتحارية من المؤسف أن البلد سيدفع، بالأخير، ثمنها الباهظ.
برنامج الحركة الوطنية واضح ومحدد: ضرب الفساد ومراجعة الخصخصة، استعادة القطاع العام الاقتصادي، قوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية، قانون ضريبي يعيد توزيع الثروة اجتماعيا، والتنمية الوطنية الشعبية في المحافظات. البرنامج الآخر، مهما تلوّن بالشعارات الليبرالية، هو برنامج الوطن البديل. ولا مجال لتجاوز البرنامجين أو للرقص بينهما.
لكن، رغم كل ذلك، الدولة دولتنا ولا نقاطعها ولا نضرب شرعيتها، وإنما نخوض المعركة السياسية مع الطبقة الحاكمة بلا كلل ولا توان ولا خوَر، في الشارع وفي الانتخابات، في الإضرابات والاعتصامات وفي البرلمان: لن يفلت فاسد ولن نترك أرضا ولا منجما ولا مرفقا للفاسدين و’ المستثمرين’ الأجانب ووكلائهم المحليين. سننتزع حقنا في الحياة الكريمة و التنمية و الحرية و الكرامة. لكن في ظل وطن سيظل أردنيا عربيا دونه الأرواح.
التسجيل في جداول الناخبين اليوم عمل وطني في مواجهة جبهة الوطن البديل، والمشاركة في الانتخابات غدا عمل نضالي لفتح ملفات الفساد والخصخصة وتجديد الحراك الشعبي.
نحن أم الولد، ولا نقاطع دولتنا، بل نناضل لامتلاكها وتحويلها دولةً للشعب .
تم وقف التعليق على المقال بناء على طلب الكاتب