اليوم التالي ..

عمون – ربما لا يكون اليوم التالي لقرار تحرير أسعار الطاقة، صعبا، لكن تداعيات ذلك القرار الخاطئ في كل الحسابات، سوف تتفاعل، في غضون وقت قصير حتما. وبالنظر إلى دينامية الحراك الشعبي في المنطقة، خلال سنتيّ 2011 و2012، فما من أحد عاد قادرا على الجزم، مسبقا، بردود الفعل الاجتماعية السياسية إزاء التطورات. يستند متخذو القرار إلى تفهّم قسم كبير من الرأي العام لضرورة معالجة أزمة المالية العامة، لكن ذلك التفهم لا يشتمل على الإجراءات التي تنوي حكومة عبدالله النسور، اتخاذها، لأنها، كما تدل التجارب السابقة، تخريبية على المستوى الاقتصادي وعدوانية على المستوى الاجتماعي. توجد بدائل عقلانية عديدة عن تحرير أسعار الطاقة. وهي تنقسم إلى قسمين: يتعلق الأول بتخفيض استهلاك المحروقات (بإغلاق المحلات ليلا وتسيير حافلات عامة في نظام مركزي كفؤ ومدعوم) وتخفيض كلفة إنتاج الكهرباء ( بإنشاء ميناء لاستيراد الغاز البديل عن الغاز المصري وضبط عملية الانتاج في شركة توليد الكهرباء المخصخصة)، ويتعلق الثاني بزيادة دخل الخزينة من الفئات غير المستحقة للدعم من الأثرياء ( بزيادة ضريبة الدخل و المبيعات على الكماليات ) أو المقيمين غير الأردنيين ( بفرض رسوم إقامة تعادل قيمة الدعم الحكومي الذي يحصل عليه المقيم.) غير أن هذه البدائل ـ وسواها الكثير مما هو مطروح فعلا أو يمكن ابتكاره ـ تتعارض مع مصالح الرأسماليين وحرية السوق الخ كما أن حذف البنود المجهّلة من الموازنة العامة تحت تصنيفات غامضة أو غير ضرورية تضر بمصالح البيروقراطية. وهكذا، يظل البديل الحكومي الوحيد هو البديل المحروق الذي يتماشى مع وصفة صندوق النقد الدولي، الحصن الحصين لليبرالية الجديدة و مصالح الفئات الكمبرادورية والمتنفذة. ثم نأتي إلى التعويضات النقدية عن رفع الدعم بحدود 80 دينارا للفرد في السنة. وهو مبلغ قد يساوي الفارق في أسعار الطاقة، لكنه لا يساوي، قطعيا، الفارق في أسعار السلع والخدمات التي بدأت أسعارها ترتفع بالفعل، وسترتفع أكثر، بينما لا تملك الحكومة، في ظل السياسات الليبرالية الجديدة، وسائل لتضبيط الأسعار في السوق. كذلك، فإن التعويضات النقدية هي، بطبيعتها، مؤقتة، ولا شيء يلزم الحكومات التالية بها. وهو ما يعني، في أحسن الأحوال، تأجيل المشكلة الاجتماعية بعض الوقت، وليس معالجتها جذريا ـ كما نطالب ـ من خلال اعتماد الراتب الاجتماعي. وهو الراتب المبني على أساس الكلفة الإجمالية المتحركة لسلة العيش لموظفي ومتقاعدي القطاع العام. وإلى ذلك، زيادة راتب الحد الأدنى في القطاع الخاص مع تعويم الصراع بين النقابات وأرباب العمل. التعويض النقدي المؤقت سيلتهمه التضخم بأسرع وأكثر من أي تقدير حاسوبيّ. وعما قريب، سيواجه المواطن المزيد من الضغوط المعيشية البالغة الصعوبة، وسيتذكر أنه يسدد، الآن وفي المستقبل، فواتير الفساد الكبير لطبقة امتصت دماء الدولة والشعب، وما يزال ممثلوها يتحكمون، رغم آلاف المسيرات والاعتصامات والاحتجاجات، بالقرار؛ فأي معنى يظل، إذاً، للعملية السياسية والانتخابية؟
‘العرب اليوم’

Posted in Uncategorized.