ناهض حتّر
على الرغم من خصومتي الفكرية- السياسية مع تيار المستقبل – وفؤاد السنيورة احد أركانه – فقد تعاطفت مع دموع الرجل، حين قال: «ان عروبتنا في لبنان ليست مشروطة، وكما انها ليست بالارغام».
كلمات السنيورة موجهة، بالطبع، ضد سورية، ودموعه هي تعبير عن شعوره بالقهر ازاء تطور الاحداث الذي ادى الى تلاشي نفوذ وهيبة تحالف 14 اذار لصالح حلفاء سورية في لبنان.
تتساءل دموع السنيورة – صراحة – لماذا ينبغي ان ترتبط العروبة بالمواجهة مع اسرائيل وامريكا… وبالنفوذ السوري؟ ولماذا لا يتم الاعتراف بعروبة يقترحها تيار المستقبل بالذات، عروبة حليفة للولايات المتحدة، وتركز على البزنس؟
أسئلة وجيهة اذا طرحها السنيورة على الامريكيين المعادين للعروبة، المصممين على تدميرها، سواء أكانت يمينية أم يسارية، علمانية أم اسلامية، مقاتلة أم مسالمة، اشتراكية أم رأسمالية.
لم يتمكن حزب الله – وحلفاؤه من الشيوعيين والقوميين والوطنيين – من استعادة الهيمنة السياسية على لبنان، وبالتالي استعادة سورية الى لبنان، بقدر من عند الله، وانما بسبب العدوان الامريكي الاسرائيلي المتوحش الذي لم يأخذ بالاعتبار مصالح ونفوذ ومشروع تحالف 14 آذار، واغتنم الفرصة لتدمير لبنان على رأس جميع فرقائه، منطلقا لتدمير العروبة في شرق اوسط جديد يقوم على الطوائف والأتنيات تحت هيمنة الصهيونية.
على انه بات علينا ان نعترف أن العروبة القديمة في تجلياتها البعثية والناصرية او في نزوعها الاسلاموي الجديد، قد بليت، واصبح لا بد من تجديد العروبة لكي تعيش وتزدهر، وتقاوم مشاريع الالغاء الامريكية – الصهيونية.
ما هي العيوب الجوهرية للعروبة البعثية – الناصرية – الاسلاموية؟
اولا: انها عروبة المراكز ضد الاطراف. عروبة تقوم على هيمنة البلدان الكبرى على البلدان الصغرى – غير المعتبرة لانها مجتزآت من الاصل او لانها «مصطنعة» … الخ.
ثانيا: انها عروبة تتماهى مع الكتلة السنية – الارثوذكسية، «بالنسبة للبعثيين» والكتلة السنية فقط بالنسبة للناصريين والاسلامويين. هذه العروبة تتجاهل المكونات الاخرى في المجتمعات العربية: الشيعة وفرقهم والمسيحيين وطوائفهم، والاقليات الدينية، والاعراق كالاكراد والتركمان والبربر .. الخ.
ثالثا: انها عروبة بدوية تركز ضمناً على الانساب، في حين ان العروبة هي رابطة ثقافية لا سلالية.
رابعا: أنها عروبة لا تعترف بالخصوصيات الوطنية للشعوب العربية – خصوصا الصغيرة منها – او بأولويات المجتمعات المحلية. وهي تماهي – استنادا الى المفاهيم القومية الغربية – بين «الوطنية» و«القومية» مع انهما مفهومان متمايزان في الثقافة العربية. «فالوطني» هو ما يشير مثلا الى الاردن او مصر او لبنان، بينما القوميّ هو ما يشير الى الرابطة العربية.
خامسا: انها عروبة ايديولوجية، تربط الانتماء العروبي حكما بانتماء ايديولوجي محدد، الخارج عنه خارج عن العروبة.
***
نحتاج، اليوم، الى مقاربة جديدة للعروبة تأخذ بالاعتبار مكانة ودور الاطراف والطوائف والاعراق والاوطان والمجتمعات والتعدد الديني والايديولوجي والثقافي.
هل نبدأ بالحوار؟.