ناهض حتّر
لم يخيب فضيلة المراقب العام للاخوان المسلمين سالم الفلاحات ظني، واعطى للكثيرين من الواثقين به وعارفي فضله، ، علامة جديدة على حكمته ووطنيته وايمانه بالدولة وبسيادة القانون الذي لا تعلو عليه مؤسسة، بما فيها المؤسسات الاقتصادية والخيرية للحركة الاسلامية، وهذه رسالة للحكومة الاردنية، تضعها امام واجبها في اجراء التحقيق الفوري والجدّي في الشبهات التي احاطت بمنح ترخيص شركة «امنية» التي ضيعت على الخزينة مئات الملايين من الدنانير التي يحتاج اليها الاردن لتدبير التزاماته، واقتنصها رجال اعمال.
أدان الفلاحات ايضا، التكفيريين والارهابيين بصورة قاطعة، واوضح العلاقة مع «حماس» بوصفها منظمة فلسطينية تحتاج الى المساندة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، من دون ان يكون لها دور في الاردن او تداخل مع الحركة الاسلامية الاردنية، واخيرا، اكد الرجل ايمانه بالتعددية والمنهج الديمقراطي.
ومن معرفتي بالفلاحات ومنطق تفكيره، فهذه ليست تصريحات «للتهدئة» بل هي جزء من قناعات راسخة لدى الرجل الذي يمثل الجسم الرئيسي في حركة الاخوان المسلمين، وارجوا ان يتسع صدر الفلاحات لدعوتي المخلصة بالاعلان عن قناعاته بصورة مجسدة في اجراءات، سبق لي ان اقترحتها على فضيلته لفصل المقال في هذه الازمة المفتعلة.
اولا – على الحركة الاسلامية ان تبادر – فورا الى عزل المتطرفين عن قيادة حزب جبهة العمل الاسلامي.
ثانيا – انهاء العلاقة التنظيمية السياسية والمالية مع صحف حماس التي لا تعبر عن الحركة الاسلامية الاردنية، ولكنها منبر حماسي مئة بالمئة، بحيث لا تتحمل الحركة الاسلامية الاردنية التبعات الناجمة عن خطها الحماسي، وبالمقابل اطالب الحركة باصدار صحيفة وطنية اسلامية ديمقراطية تسمح بتأسيس تيار الاسلام السياسي الديمقراطي الاردني. وتأسيسه هو ضرورة وطنية لم تعد قابلة للتأجيل.
ثالثا- تحويل النائب محمد ابو فارس الى محكمة حزبية لتحقيق معه عن تصريحاته التي فيها شبهة تأييد الارهاب، وذلك مقدمة للافراج عنه وعن رفاقه.
رابعا – حصر التصريحات السياسية باسم فضيلة المراقب العام او مكتبه.
خامسا – الادانة العلنية لكل اتصال مع الامريكيين واعتبار اي اسلامي يتصل مع طرف امريكي حول الشؤون الاردنية، خارجا على الحركة.
ومع ذلك كله، فان تصريحات الفلاحات ينبغي ان تقابلها الحكومة الاردنية، بروح ايجابية وديناميكية بما في ذلك وقف الحملات الاعلامية، وفتح باب الحوار، وتنظيم عملية واقعية للخروج من الازمة الحاضرة. فما يحتاج اليه الاردن الان هو اكثر من التهدئة، بل تجاوز كل اشكال التصادم الداخلي حول القضايا الاقليمية والدولية، وصولا الى تفاهم يقوم على مبدأ الحياد الاردني. وهو اقصى ما تسمح به موازين القول لبلدنا الصغير المهدد بالعواصف السياسية والامنية، وبصورة خاصة التركيز على تدبير عناصر القوة والاتحاد لمواجهة خطر خطة شارون – اولمرت القاضية بشطب الكيان الاردني.
لا توجد اية مصلحة قومية او اسلامية بتعريض الاردن للاخطار المهددة لوجوده، ولا مجال للمغامرات السياسية سواء جاءت من قبل المعارضة ام من قبل السياسات الحكومية.المطلوب الان هو التهدئة.. ثم التهدئة.. ثم التهدئة، والتفاهم على الخطوات اللاحقة الكفيلة بالحفاظ على الكيان الاردني واستقلاله وهويته وازدهاره. وهذه هي المهمة الرئيسية وخط الصراع الرئيسي. وما عدا ذلك، يدخل في سرداب لا يعلم الا الله اين منتهاه.
وهذا السياق الوطني للسياسات المطلوبة من جميع القوى، الاهلية والرسمية، لا يعني اطلاقا التغطية على الفساد او تمرير القوانين الاقتصادية المعادية للفقراء والطبقة الوسطى، او ترك البلد ساحة للمغامرين من رجال الاعمال او السماح باستمرار الزواج بين البزنس والنفوذ السياسي، او التذرع بالاخطار الخارجية لمنع التطور الديمقراطي في البلد.
على السياسة الاردنية، المعارضة والرسمية معا ان تتمحور حول القضايا التنموية والاجتماعية والديمقراطية، فهذه القضايا – على ما فيها من صراعات حادة – توحد البلد ولا تشقه، وتضمن تقدمه ووحدته الوطنية، وقدرته على البقاء والصمود والتقدم.