الوقت ينفد …

ناهض حتّر
خطة شارون – أولمرت «للانفصال من طرف واحد» عن الفلسطينيين، هي نتاج تسوية تاريخية داخل المجتمع الاسرائيلي بين اليمين الرافض، كلياً، للانسحاب من اية اراض فلسطينية وبين «اليسار» – الذي فقد قواه بعد مقتل رابين – والقائل بالانسحاب الى حدود متفق عليها واقامة دولة فلسطينية، ولكن، دائما، من دون السيادة او القدس او اللاجئين، فهذه نقاط اجماع اسرائيلي.

بين هذين النهجين، طور رئيس وزراء اسرائيل، السابق آرئيل شارون، نهجاً وسطاً يقوم على حل من طرف واحد من دون مفاوضات، الا اذا وجد شريكاً فلسطينياً يقبل بالشروط الاسرائيلية من دون نقاش – يحقق لاسرائيل الابقاء على المستوطنات الرئيسية وضم اكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية – بما فيها القدس – وراء جدار عازل يرسم حدود دولة اسرائيل، ويؤمن وجودها العسكري الاستراتيجي في الاغوار، ويسمح للفلسطينيين باقامة «دويلة» مقطعة الاوصال من كانتون غزة وكانتونات الضفة، تكفل ابعاد السكان الفلسطينيين، وتتلافى تطورات لاحقة قد تفضي الى ضياع الهوية اليهودية لاسرائيل.

هذا الخيار الوسطي حصل، بالفعل، على الاجماع الاسرائيلي. وسوف تطبقه تل أبيب في غضون سنتين على الاكثر، في ظل ميزان قوى اقليمي ودولي يتيح لها ذلك.

وتطبيق خطة شارون – أولمرت، تعني نسف الاساس لاقامة الدولة الفلسطينية، وشطب حق العودة حتى الى اراضي الـ ،67 ودفع قسم كبير من الطبقات الوسطى الفلسطينية الى البحث عن مشروع حياة ومواطنة خارج فلسطين. وسواء أشئنا ام أبينا، فان النتائج المروعة لخطة أولمرت، سوف تنعكس على الاردن وأمنه الوطني، فالهجرة الفلسطينية الجديدة، القائمة والقادمة، لها منفذ واحد هو الضفة الشرقية، وهذه الهجرة هي ديمغرافية وسياسية معا.

التصدي لهذا المشروع التوسعي الاسرائيلي، لا يزال في حدود الجهود الدبلوماسية، وفي اطار العلاقات الثنائية، سواء مع واشنطن او مع تل أبيب، وباعتقادي ان تلك الجهود قد تؤخر «المشروع» عدة اشهر، لكن الاتجاه العام في اسرائيل هو تنفيذه في اطار جدول زمني لا يزيد عن السنتين. فبناء «الجدار» يسير على قدم وساق، بينما يعصف الصراع السياسي والمسلح داخل الساحة الفلسطينية، بقدرة الفلسطينيين على التصدي، في ظل انهيار شامل للنظام العربي، وتأييد امريكي غير نهائي ولكنه أكيد، ولا يتطلب سوى تعديلات بسيطة على المشروع الاسرائيلي، والذي لا شيء يعرقل تمريره على المستوى الدولي، طالما ان المتضررين يتقاتلون فيما بينهم، ويختصمون الى العدو!.

على الاردنيين، اذن، ان يواجهوا الحقيقة. فلا مناص من الصراع المفروض. واذا ما هم ارادوا فعلا الحفاظ على كيانهم وامنهم الوطنيين، فلا مناص لهم من المواجهة مع اسرائيل .. وتحمل التبعات، فالمعركة هي معركة وجود .. لا معركة حدود.

اريد القول ان لحظة الحقيقة هذه كانت آتية على الرغم من التوقيع على معاهدة وادي عربة مع اسرائيل عام .1994 فالمعاهدات لا تغير موازين القوى وجوهر الصراعات، وانما تخضع لها.

لقد قدمنا، في «وادي عربة»، تنازلات جدية في الارض والمياه واللاجئين، وقمنا بانشاء علاقات دبلوماسية، واندفعنا نحو التطبيع والتنسيق الثنائي في عدة مجالات. غير ان ذلك كله لم يحمنا، ولم يفد – بل سرّع من – تبلور وقدرة المشروع التوسعي الاسرائيلي على حساب فلسطين والاردن.

الاردن غير مصر – وحتى غير سورية ولبنان – فهي، كلها، تستطيع، من حيث المبدأ، التوصل الى تسويات مع اسرائيل، طالما ان «الخلافات»، هنا، هي على الحدود والتفاصيل والامن، ولكن، بالنسبة للفلسطينيين والاردنيين، فان الصراع مع اسرائيل تناحري لا يمكن تسويته، لانه يتعلق بالوجود الوطني للشعبين.

فأية تسوية من اي نوع – ومهما كانت رديئة – فانها تتطلب حداً ادنى لا يمكن النزول عنه، وهو الاعتراف المتبادل بالوجود ولكن حينما يطلب منك عدوك او خصمك – ان شئت – ان تشطب نفسك، فكيف تفاوضه .. وكيف تتفاهم معه؟ عندها يصبح كل تفاوض، وكل محاولة للتفاهم، مضيعة للوقت، واقراراً بمطالب العدو بشطبك، والمطالبة، حسب، بالتأجيل!

لا مفرّ امام الاردنيين من خوض الصراع، هذه الحقيقة الماثلة كان يراها الشهيد وصفي التل منذ اليوم التالي لهزيمة حزيران، ومات على قناعته بأن كل محاولات الحل السلمي مع اسرائيل – بالنسبة للاردن – هي مضيعة للوقت، وتبديد للجهد .. وسوف ينتهي الى فشل حتمي.

لا اطالب بشن حرب على اسرائيل: فهذا شأن يتعلق بحسابات معقدة للغاية، ولكنني ارى انه لا مناص لنا من التفاهم مع الفلسطينيين على تشكيل جبهة مضادة لخطة أولمرت، تتضمن بالاضافة الى حملة دبلوماسية، التحشيد الشعبي والاعلامي والسياسي، وشن حملة سياسية على المستوى الدولي، والتحضير الفعلي لمواجهة العدوان.

كانت اسرائيل وما تزال وستظل العدو الاول للاردن، والتهديد الاخطر لأمنه الوطني، وقد اصبح ملحا ان نتعامل مع هذه الحقيقة، والتحضير لمجابهة اعباء استحقاقاتها.

ان نمط حياتنا من الادارة السياسية المذعورة الى الاقتصاد القائم على أولوية البزنس، الى التهميش الاجتماعي والسياسي للاغلبية، وتجميد الاصلاحات الديمقراطية .. الخ، كل ذلك لا ينسجم، ابداً، مع حجم التهديدات الاسرائيلية التي يواجهها الاردن.

الوقت ينفد ….

Posted in Uncategorized.