حين أصبح مروان المعشر وزيرا للإعلام في حكومة عبدالكريم الكباريتي، 1996، قيل لنا وقتها أنه وزير ليبرالي. وما هي إلا أسابيع حتى جاءني منه كتاب رسمي برفض الترخيص لصحيفة ‘ الميثاق ‘ الأسبوعية، بحجج لم تقبل بها محكمة العدل العليا، حينها، أجازت صدور الصحيفة، لكن بعدما كان الكباريتي والمعشر قد غادرا منصبيهما.
وبينما كان الليبرالي مروان المعشر وزيرا، حدثت انتفاضة الخبز في الجنوب، وكنتُ من أنصارها، فجرى اعتقالي بقرار من الحكومة الليبرالية التي توجهت إلى حل أزمة المالية العامة للدولة عن طريق خفض النفقات على حساب الشعب وليس على حساب البرجوازية.
بعد 15 عاما، لا يزال الحل الوحيد، عند مروان المعشر، لحل الأزمة المالية والاقتصادية، هو نفسه، أي خفض النفقات العامة. وهي وصفة ممتازة للانفجار الشعبي. غير أن المعشر يظن، ضمنا، أنه حين تنعقد ترتيبات ملائمة للإصلاح السياسي تسمح بمشاركة الإخوان المسلمين في الحكم، فإنه يمكن تجاوز انفجار كذاك.
من المفهوم ، بالطبع، أن يتجاهل مروان المعشر، كليبرالي ، ضرورة التوصل إلى عقد اجتماع جديد يقوم على مراجعة نهج الخصخصة الكارثي، لكن من اللافت أنه، في دعوته إلى ‘ميثاق وطني جديد’، لم يأت على ذكر ملفات الفساد الكبرى، ولا على ذكر تنمية المحافظات، مع أن هاتين هما القضيتان المركزيتان وراء الحراك الأردني. الحراك الذي لا يمكن وأده لأنه يعبّر عن مئات الآلاف من الشباب المفقَرين الذين سُدت في وجوههم فرص التأهيل والعمل أو العمل المجزي وأصبحوا مهمشين في محافظات مقفرة. و يتهم الحراك، طغمة الخصخصة والبزنس والفساد، بالمسؤولية عن سلب وهدر أموال وموجودات الدولة وتضخيم مديونيتها وعجزها، ويتهم السلطات بأنها تحمي تلك الطغمة.
هذا هو العنوان الكبير للأزمة الأردنية، وليس قانون الانتخابات أو مقاطعة الإخوان المسلمين للعملية الانتخابية. فهذه هي آخر ما يهم المحافظات، علما بأنها هي القوة الحاسمة في السياسة الأردنية.
ما نحتاجه في ميثاق وطني جديد هو محاكمات شاملة ومتزامنة في جميع ملفات الفساد، ومراجعة نهج الخصخصة وتسهيلات جذب الاستثمار، وإعادة توزيع الثروة عبر نظام ضريبي تصاعدي وسياسات اجتماعية فعالة، وخطط عملية ومحلية لتنمية المحافظات، في سياق منظور ديموقراطي اجتماعي. وفي هذا السياق بالذات سوف يتم خفض النفقات العامة التي تُهدَر على مشروعات فاشلة وبنى تحتية يفيد منها المقاولون وتجار السيارات، كما على الإنفاق الترفي وتمويل أنماط عديدة من الفساد الخ..
كل ذلك ليس له مكان عند مروان المعشر، الذي يتمحور تفكيره حول سبل التوافق على إصلاحات سياسية ليبرالية مع الإخوان المسلمين وحلفائهم، لكن على أساس ميثاق يلتزمون فيه بالتعددية السياسية!
سيوقّع الإخوان على ما تريد يا دكتور، لكنهم سينقلبون على توقيعهم في اليوم التالي. ولماذا نذهب بعيدا؛ تابعْ ما يحصل في مصر وتونس والمغرب من تغوّل إخواني وعدوان على الحريات السياسية والمدنية، لتعرف النتيجة مسبقا. هل تريد إخوانيا معتدلا أكثر من راشد الغنوشي؟ ها هو يتحول إلى دكتاتور في الحكم. ولذلك، ينبغي أن تكون التعددية مؤسسة في النظام الانتخابي نفسه، وليست متروكة لنوايا الإخوان.
ثم أن قلقنا إزاء الإخوان في الأردن مضاعَف؛ على التعددية والحريات، وكذلك على الهوية الوطنية للدولة ومصير البلد المهدد بعملية الوطن البديل. وبالنسبة لي شخصيا، لن أعترف بالإخوان كقوة وطنية قبل أن يعترفوا بقرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، و بضرورة إخضاعه للآليات الدستورية والقانونية، وصولا إلى إطار وطني للتعددية.
العرب اليوم