الوثيقة السياسية لقائمة أبناء الحراثين-وثيقة تجديد الدولة اﻷردنية

الوثيقة السياسية لقائمة أبناء الحراثين-وثيقة تجديد الدولة اﻷردنية

في غضون القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، شهد شرق الأردن، ملحمة كفاحية انخرطت فيها العشائر الأردنية في عملية الاستقرار الفلاحي البدوي، وتطوير الانتاجية والعلاقات الداخلية وخلق الفضاء السياسي الاجتماعي الخاص بها. وقد اعترف العثمانيون بهذا الفضاء الخاصّ في فرمان تاريخي صدر العام 1878، وقضى بالشروع في جملة من الإجراءات اللازمة لإنشاء “ولاية عمان” على أن تشمل أراضي الأردن الحالي، وتكون عاصمتها عمان.
مذ ذاك وحتى الحرب العالمية الأولى، جرى انجاز العديد من تلك الإجراءات، بما فيها تأسيس قرى وبلدات زراعية، ومد خطوط مواصلات واتصالات، وانتشار الزراعة في المناطق البدوية، واستقطاب فعاليات اقتصادية من سورية وفلسطين لسدّ الحاجة التي نشأت عن تطور الانتاج الفلاحي ونشوء السوق المحلية والعلاقات التجارية مع الخارج. وكانت هذه العملية، وما حصل خلالها من بدء انتشار التعليم الحديث وبروز القيادات الاجتماعية، مهادا لنشوء النخبة الوطنية الأردنية، المكوّنة من المثقفين الجدد وزعماء العشائر.
آزرت هذه النخبة ، مشروع الثورة العربية الكبرى ( 1916) لإنشاء دولة قومية في سورية الطبيعية التي تميّز شرق الأردن بينها من حيث اندفاعه، بلا تردد ولا مخالفة، للانضواء في المملكة العربية السورية برئاسة الملك فيصل الأول.
وحين احتلت القوات الفرنسية، في إطار مؤامرة سان ريمو،الأجزاء الشمالية والساحلية من سورية الطبيعية، وسلخ البريطانيون، فلسطين، وجدت النخبة الوطنية الأردنية، أن الخيار النضالي الاستقلالي القومي يقتضي منها المبادرة إلى مواجهة استحقاق تأسيس ” رابطة مدنية للعش الصغير”. وهو ما قرره مؤتمر الوطنيين الأردنيين في “أم قيس ” في العام 1920، وحدد، منذ البداية، هوية الدولة الأردنية باعتبارها امتدادا للمملكة العربية السورية. ولذلك، فقد اعتمدوا علمها ذا النجمة ( العلم الأردني الحالي) علما لدولتهم الوليدة.
ومنذ العام 1921، كافح آلاف الرجال ـ مع الأمير عبدالله بن الحسين وفي الموالاة والمعارضة على حد سواء ـ لإقامة الإمارة التي واجهت، خلال ربع القرن الأول من حياتها، أربعة تحديات كبرى هي (1) مقاومة المساعي الصهيونية المثابرة لإدماجها في وعد بلفور، (2) وبناء الإدارة والمؤسسات والجيش، (3) وإقامة البنى التحتية وتلبية متطلبات تحديث الاقتصاد والمجتمع، وخصوصا لجهة إطلاق الخدمات العامة، وفي مقدمتها التعليم والصحة والخدمات البلدية، (4) والخلاص من الانتداب البريطاني وتأمين استقلال البلاد .
وحين تم إعلان البلاد مملكة العام 1946، كان الرعيل الأول من رجال الأردن، في الحكم والإدارة والجيش والمعارضة، قد قطعوا أشواطا في مواجهة تلك التحديات والتغلب عليها.
وكان الأردن أكثر الدول العربية، جهوزية عندما واجه العرب، حرب 1948 في فلسطين، فخرج الجيش العربي الأردني منها رافع الرأس، وقد حقق ما يمكن تحقيقه من الحفاظ على القدس والضفة الغربية التي أصبحت جزءا من مملكة اتحادية. وهو ما أسهم في الدفع النوعي بتطوير البلاد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، في دولة حديثة ناهضة، وجّه لها الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، العام 1967، ضربة أعاقت مسيرتها الواعدة، وأدخلتها في أتون من التناقضات والصراعات المدمرة التي تم تجاوزها بالتحالف بين الشعب ودولته وجيشه.
وعلى ما شهدته البلاد، خلال السبعينيات والثمانينيات، من أحكام عرفية وغياب للحياة النيابية وتراجع آليات تطوير الحياة السياسية، فإن عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ظلت تدور بقيادة قطاع عام متنامي القدرات وإدارة حديثة، لكن نهج الهدر المالي ونشوء مؤسسة الفساد وتبلور مواقع فئات الوسطاء التجاريين وانتشار النزعات الاستهلاكية وتراجع الانتاجية المحلية التي كانت مغطاة بالمساعدات العربية وخصوصا العراقية، أدت، مجتمعة، إلى هبة نيسان 1989، التي نجحت في إنهاء الأحكام العرفية وإعادة الحياة النيابية وإطلاق الحريات، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها الاجتماعية الأساسية؛ بالعكس، سارت التطورات اللاحقة إلى سيطرة الليبراليين الجدد على مفاصل القرار، ومأسسة الفساد وتضخمه وتفكيك القطاع العام الاقتصادي من جهة، وتضخيم جناحه الإداري من جهة أخرى، ما أسّس لتفاقم أزمة المالية العامة، سنة بعد أخرى، إلى أن بلغت حدا شلّ فعالية الدولة عن التعامل مع الاحتياجات التنموية، العاجلة والبعيدة المدى، للمحافظات التي أصبحت مناطق مفقرة ومهمّشة. لكن، من هذه المحافظات التي تلقت أسوأ نتائج تراجع الدولة الأردنية وأزماتها، انطلق الحراك الأردني الهادف إلى تجديد ـ وليس هدم ـ الدولة الوطنية الأردنية.
يُدرك نشطاء الحركات الوطنية والاجتماعية في المحافظات أن الدولة الوطنية ـ بمؤسساتها وخصوصا بقواتها المسلحة ـ هي مكتسب تاريخي للشعب الأردني لا يمكن التفريط به في مشروع الفوضى الهادفة إلى تقويض الكيان الأردني، كما هو مخطط لدى قوى محلية وإقليمية ودولية.
الدولة الوطنية والجيش الوطني خط أحمر عند الوطنيين الأردنيين، فمن دونهما لا توجد ـ ولا يمكن أن توجد ـ ديموقراطية ولا ديموقراطية اجتماعية ولا مقاومة للمشاريع الاستعمارية والصهيونية، من دونهما سوف نعود القهقرى ليس إلى ما قبل 1921، بل إلى ما قبل القرن الثامن عشر، وسنكون قد خنّا الكفاح المستمر لأجيال وأجيال من رجال ونساء الأردن، ممن بنوا هذا الوطن بعرقهم وأحيانا بدمائهم.
ما تزال الدولة الوطنية الأردنية، بكل انجازاتها واخفاقاتها، صامدة وتمتلك امكانيات البقاء والتقدم، غير أنها تحتاج اليوم إلى عملية تجديد شاملة، تسمح لها بمواجهة التحدي الكياني وتمنح الأردنيين الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية في ظل مشروع تنموي وطني ودولة قوية وفعالة وقادرة، بالتالي، على تنظيم الدفاع، كما على تزويد المواطنين بالخدمات العامة في أشمل وأعلى مستوى.

رؤيتنا لتجديد الدولة الأردنية
يتطلب الشروع في تجديد الدولة الأردنية، ابتداء، الحل العاجل لأربع قضايا تهدد الأمن الوطني، هي
(1) قضية ملفات الفساد والهدر والخصخصة. وهي القضية التي تُضعف الثقة العامة وتبهظ الشعور الوطني والحس بالعدالة وتمنع المشاركة في تحمّل أعباء عملية التجديد. وينبغي حل هذه القضية من خلال محاكمات شاملة ومتزامنة لكل ملفات الفساد واسترداد أموال الدولة والمجتمع ومعاقبة المتورطين من دون استثناء،
(2) قضية المواطنة والضرورة العاجلة لحسمها قانونيا من خلال ادماج تعليمات فك الارتباط في قانون جديد للجنسية ومراجعة القوانين التي تتعارض مع فك الارتباط ـ ومنها مثلا قوانين النقابات المهنية ـ ومن شأن هذه الإجراءات وضع حد نهائي للجدل الذي يهدد وحدة المجتمع وينهي القلق من الهجرة والتجنيس والتوطين ومشاريع الكونفدرالية إلخ، وخصوصا مع اﻻعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وضرورة تعديل التشريعات اﻷردنية التي تتعارض مع الواقع الفلسطيني الجديد. كما تنهي هذه اﻹجراءات كافة المخاوف من السحب العشوائي للجنسيات والذي يمارس أحياناً على مستوى موظفين صغار.
(3) قضية المحافظات المفقرة والمهمشة والتي تتحوّل، بسرعة، إلى مناطق خارج السياق السياسي للدولة المدنية؛ مما يتطلب أولا تطبيق خطة تنموية إنقاذية فيها، والقيام ، ثانيا، بدعم عملية سياسية مستقلة وفعالة في صفوف شبابها، تنأى بهم عن التطرف بكل أشكاله.
(4) انهيار الثقة بالنخب السياسية، والحاجة لتجديد آليات إدارة الدولة

أولا، تجديد الاقتصاد الوطني:
تواجه الدولة الأردنية اليوم، أزمة في المالية العامة، هي الأخطر منذ تأسيسها. وذلك لأنها أزمة النموذج القائم على تغطية الفجوة المالية بالمساعدات الخارجية. ولا تعود خطورة هذه الأزمة إلى الاستعصاء الراهن في الحصول على مساعدات، وإنما إلى أن تنامي الفجوة التمويلية للموازنات العامة، وصلت إلى حد لا يمكن معه سدّها بالمساعدات، بينما سدّها بالاستدانة من شأنه أن يفاقم العجز نظرا لتزايد حجم خدمة الدين العام الذي وصل إلى مستويات خطرة، وسوف يتخطى، إذا لم تجر عملية اصلاح اقتصادي شاملة، إلى حاجز الناتج المحلي الاجمالي، مما ينقل البلاد إلى وضع متدهور.
من الواضح أن تفاقم الأزمة المالية يشلّ الدولة عن القيام بدورها في التنمية والخدمات، ويعمّق إفقار المحافظات، بينما تتراجع نسبة النمو اللازمة للسيطرة على المديونية، ويزداد العجز التجاري لصالح الاستيراد، بصورة غير مسبوقة، مما يخفّض أثر المكون الداخلي لأسعار السلع والخدمات، ويضع المواطن في معادلة خانقة، حيث يحصل على دخله بالمعايير المحلية، ويدفع فاتورة احتياجاته من السلع والخدمات بأسعار عالمية. وهذا هو الأساس في الحاجة إلى سياسات دعم السلع والخدمات التي تزيد، بدورها، من أزمة المالية العامة.
نحن نقع، إذن، أسرى دائرة جهنمية ستقودنا إلى كارثة محققة إذا لم نسارع إلى تجديد النظرة إلى المنهجية المالية والاقتصادية والاجتماعية السائدة الآن، نحو عملية إصلاحية وطنية تحقق ثلاثة أهداف متلازمة، هي:
ـ تحقيق الاستقلال المالي، أي إنهاء الحاجة إلى المساعدات الخارجية،
ـ تحقيق القفزة التنموية، أي إنشاء السياق القادر على تفعيل الموارد الطبيعية والبشرية والأفضليات المحلية في إطار خطط تنموية تعتمد على الذات واستراتيجية التوسع في التشغيل وزيادة الإنتاجية،
ـ تحقيق العدالة الاجتماعية، أي إعادة توزيع الثروة من خلال الموازنة العامة من خلال الراتب الاجتماعي وتمويل المشاريع الصغيرة وشمولية وعلوّ مستوى الخدمات العامة.

ولا تتناقض هذه الأهداف فيما بينها إلا من وجهة نظر الليبراليين الجدد، لكنها، من المنظور الوطني الاجتماعي، تتكامل معا؛ فلتحقيق الاستقلال المالي، يتوجّب خفض النفقات وزيادة الإيرادات.
ويرتبط خفض النفقات العامة بالعدالة الاجتماعية ـ وليس العكس ـ من خلال استئصال الفساد ووقف الهدر ووقف مشاريع البنى التحتية غير اللازمة للتنمية ومركزة الخدمات العامة وتفعيل الإدارات وزيادة انتاجيتها، واستبدال الراتب الاجتماعي بالدعم الذي تفيد منه الفئات الأكثر استهلاكا أي الفئات الثرية.
وتقوم خطتنا على خفض النفقات العامة على الأسس التالية:
ـ إلغاء كل أشكال الدعم للسلع والخدمات بمقابل إعادة هيكلة رواتب الموظفين والمتقاعدين في الجهازين الحكومي والعسكري، على أساس حد أدنى اجتماعي يأخذ بالاعتبار سلة العيش الكريم، وبالنسبة للعاملين في القطاع الخاص تدعم الدولة النقابات العمالية لتحصيل حقوق أعضائها من أرباب العمل، على أن يقترن ذلك بمنح العمالة الوافدة كافّة الحقوق التي للعامل الأردني مما يرفع كلفتها ويضطر أرباب العمل للاستغناء عنها،
ـ خفض استهلاك المحروقات من خلال إنشاء نظام مواصلات وطني، شامل وكفوء، داخل المحافظات وفيما بينها، على أن يكون نظام المواصلات هذا تابعا للقطاع العام وتسعّر خدماته بالكلفة،
ـ وقف كل مشاريع البنى التحتية ـ ما عدا الصيانة ـ لفترة تحددها الاحتياجات التنموية الفعلية،
ـ تفكيك المؤسسات المستقلة غير الضرورية ووقف نظام العقود في القطاع العام،
ـ وقف الهدر المالي وآليات الفساد والإنفاق الترفي الخ من خلال نظام صارم للرقابة المركزية،
ـ تحسين انتاجية وكفاءة المؤسسات الخدمية في الصحة والتعليم وتركيزها على الخدمة والجودة وليس على الإدارة والمشتريات والأبنية الخ
ـ ـ هيكلة أسعار الكهرباء والماء وفق معيار الحد الأدنى للمحافظات والحد الأعلى في عمان، على أن يشمل ذلك معيار حجم الاستهلاك،

وبالمقابل، نقترح زيادة الإيرادات من خلال ما يلي:
ـ بسط سيطرة الدولة على القطاعات الاستراتيجية ( التعدين و الاتصالات و النقل والطاقة) وذلك وفق معايير التوسع الاستثماري ومنع الاحتكار وزيادة الرسوم والعوائد وضبط العمليات الانتاجية ومنع الفساد الخ مما يؤمن دخلا إضافيا للخزينة، وفرص العمل للأردنيين
ـ هيكلة النظام الضريبي على أسس تصاعدية جذرية سواء فيما يتصل بالضريبة الدخل ـ من على الدخل والأرباح ـ من صفر إلى 40 بالمئة ـ أو الضريبة العامة على المبيعات ـ من صفر على سلع سلة العيش إلى 30 بالمئة على الكماليات تشمل السيارات فوق 1500 سي سي والمنازل فوق 200 متر الخ
ـ تفعيل وتحسين وشمولية التحصيل الضريبي.
ـ تصاعدية الرسوم في شتى المجالات، وفقا للحجم والقيمة والمنفعة والمكان.
ـ زيادة الرسوم الجمركية ما عدا الغذاء والدواء.
ـ وقف سياسة الإعفاءات وتحصيل حقوق الخزينة من كل المشاريع والاستثمارات.
إلا أن هذه السياسات و الإجراءات وسواها، لا تحلّ المعضلة الاقتصادية والمالية، ما لم نستطع تحقيق القفزة التنموية. والقفزة التنموية تعني التوصل في غضون خطة خمسية إلى
مضاعفة نسبة النمو والتشغيل ( للأيدي العاملة المحلية ) والانتاجية. وفي رأينا أن ذلك ممكن التحقيق من خلال ثلاث أولويات هي:
ـ أولوية الاعتماد على الموارد المحلية لزيادة نسبة القيمة المضافة المحلية، والأفضليات المحلية لتعزيز التنافسية،
ـ أولوية الاعتماد على الخبرات والمهارات المحلية، لضمان التشغيل،
ـ أولوية الاعتماد على الاستثمارات المحلية المتعاضدة ( المكملة لبعضها بعضا)، وذلك لضمان تعزيز وتوسيع الطبقة الوسطى وضمان تراكم الرأسمال من خلال تدوير الأرباح في استثمارات محلية جديدة.
وتفرض هذه الأولويات السير في ثلاثة خطوط تنموية هي:
ـ توسيع وتكثيف النشاطات الاستخراجية والصناعات النوعية المرتبطة بها وتخفيض نسب تصدير الخام. وهذا هو المجال الذي يمكن فتحه للاستثمارات الأجنبية،
ـ التركيز على إحداث قفزة نوعية في ثلاثة مجالات زراعية ـ صناعية هي زيت الزيتون، والكرمة ومنتجاتها، و المواشي والحليب والدواجن عبر تركيز الدعم التنموي في المحافظات على المستثمرين المتوسطين والصغار والتعاونيات وهيكلة قسم من الزراعة المروية لإنتاج الأعلاف، وجذب الاستثمارات في مجال تصنيع الزيوت والكرمة و اللحوم والألبان وفق أسس تنافسية،
ـ توفير الدعم المالي والإداري للمؤسسات الصغيرة والتعاونيات في مجال النشاط السياحي والخدمي.
ومن الضروري التأكيد على أن الدعم والاعفاءات للمشاريع الزراعية الصناعية الصغيرة والتعاونيات، ينبغي أن يكون مشروطا بقيام المالكين أو التعاونيين وأسرهم بالعمل في مشاريعهم.

ثانيا، تجديد التعليم والتأهيل:
تحوّل التعليم الثانوي والجامعي إلى عبء اقتصادي على الدولة والمجتمع، أولا، بسبب تدني كفاءته وارتفاع تكاليفه، وثانيا، بسبب انفصاله عن الاحتياجات الاقتصادية، وتاليا تعطيله لقسم أساسي من قوة العمل المؤهلة بصورة سيئة لوظائف غير متوفرة وغير المؤهلة لشغل فرص العمل القائمة فعليا.

الخروج من هذا المأزق، يقتضي الفصل بين ثلاثة مستويات في التعليم والتأهيل هي:
ـ تعليم ثانوي عام ذو نوعية عالية غير مرتبط بالدراسة الجامعية ولا التخصصات، يؤهل الدارسين لكي يكونوا مواطنين متحصلين على الحد اللازم من الثقافة الحديثة وخبرات الحياة،
ـ تأهيل مهني مرتبط مباشرة بالاحتياجات الانتاجية،
ـ تعليم جامعي تخصصي رفيع المستوى يقوم على منح الفرصة للجميع من خلال القبول
لسنة تحضيرية متاحة لخريجي الثانوية العامة من دون استثناء، تنتهي بامتحانات شديدة النوعية تحدد القادرين، من حيث مستوى الذكاء والقابلية والجدية، على الالتحاق بالدراسة الجامعية.
وسوف ينتج هذا النظام التعليمي مواطنين حائزين على حد كاف من الثقافة العامة والخبرات، وقوة عمل مؤهلة ومدربة، وأكاديميين ذوي نوعية ممتازة. وبذلك، تصبح كلفة التعليم مبررة من وجهة النظر الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
ومن الواضح أن هذا النظام لا يتوافق مع الاستثمار الخاص في مجال التعليم.

ثالثا، تجديد قوة العمل :

تعاني قوة العمل الأردنية اليوم من مشكلات جوهرية تتمثل في ضعف التأهيل، وضعف الانتاجية، والبطالة الهيكلية. ويتطلب التغلّب على هذه المشكلات، ما يلي
ـ إطلاق حرية العمل النقابي ودعمه لتنظيم العاملين، ليس فقط من الزاوية المطلبية فقط، بل من زاوية الولاء للمهنة ورفع مستوى الأداء والالتزام بالسلوكيات المهنية أيضا.
ـ إطلاق برامج مكثفة وحيوية ومختصرة وضمن أوقات العمل، لإعادة التأهيل بصورة منتظمة،
ـ ربط الحوافز بالإنتاجية،
ـ التغلّب على ثقافة رفض العمل اليدوي من خلال تحويله إلى وظيفة في شركات تزويد بالعمالة في المجالات الكثيفة الطلب، على أن يكون العامل موظفا دائما لدى الشركة بكافة الحقوق الوظيفية.

رابعا، تجديد الثقافة الوطنية:
المشكلة الرئيسية التي يعانيها المجال الثقافي الأردني، يكمن فيما يلي:
ـ الفجوة الحاصلة بين هوية البلد الثقافية الوطنية وبين الأنشطة الثقافية المختلفة ( الدراما والمسرح والأغنية والأدب والتلفزيون والتأليف البحثي في الإنسانيات والكتابة الخ ) وتُدار هذه الأنشطة، على العموم، وفق مؤثرات أجندات سياسية لا وطنية،
ـ الفوضى الحاصلة في الثقافة المجتمعية بين عدة مؤثرات وأنماط مختلفة ومتعارضة. ولا يدخل ذلك في باب التعددية الفكرية والسياسية المحمودة أصلا، بل في باب التناقضات في النظرة إلى العالم والمحتوى السلوكي والعلاقات والآداب المجتمعية الخ
ـ الفوضى الحاصلة في وسيلة الاتصال المجتمعي الرئيسية وهي اللهجة، حيث تسود في المدن لهجات هجينة ممزوجة باللغات الجنبية. إن وحدة المرجعية الثقافية لأي مجتمع تتحدد باللغة، مكتوبة ومحكية،
ـ غياب النساء عن الفضاء الثقافي والسياسي. وهو ما ينعكس في التربية المنزلية الفوضوية التعدد غير المنسجم مع وحدة الكل الوطني.
وقد ردّ المكون الرئيسي في المجتمع والدولة على تلك الفوضى باستحضار العشائرية المُعاد انتاجها في ظل ثقافة استهلاكية، كعصبيات تعبّر عن نفسها بالانغلاق والعنف.
لا تنمية وطنية من دون ثقافة وطنية. ولذلك، تغدو مهمة تجديد الثقافة الوطنية أساسية في مشروع تجديد الدولة في كل المناحي، وليست مجرد نشاط ترفي. وخطتنا في هذا الصدد كالتالي:
ـ التركيز على اﻷنشطة الثقافية التي تعزز الهوية الوطنية،
ـ حفز النساء على المشاركة الكثيفة في الفضاء العام، بما يخلق المواءمة اللازمة بين قيم التربية المنزلية وهوية الدولة وقيم المجتمع،
ـ إحياء الذاكرة الوطنية من خلال تدريس تاريخ المجتمع الأردني والحركة الوطنية والأدبية في التعليم العام والثانوي،
ـ الاستثمار الوطني في الانتاج الدرامي والتلفزيوني والإذاعي والموسيقي الخ بما يدعم إحياء الذاكرة الوطنية ووحدة المجتمع ووحدة الثقافة السلوكية ووحدة اللهجة الخ
ـ دعم قيام مدرسة في مجال التاريخ الاجتماعي والدراسات الأردنية،
ـ تثقيف الأجيال الجديدة بالقيم الإيجابية للعشائرية مثل المساواتية والتعاون والحس بالعدالة والنخوة الاجتماعية والوطنية الخ من خلال المنتجات الإبداعية والبرامج والمنظمات الشبابية ومعسكرات العمل الصيفي الخ
ـ إعادة خدمة العلم ، وللذكور والإناث، لمدة سنة واحدة قبل الدراسة الجامعية، وفي إطار برنامج لتوحيد الثقافة والقيم المجتمعية ومحتوى السلوك واللهجة، والعمل التطوعي والوطنية الخ
سادسا، تجديد النظام السياسي:
(1) يتطلب تجديد النظام السياسي، أولا ، استعادة وتعزيز الالتزام الحرفي بالدستور الأردني، نصا وروحا، وثانيا، بالفصل بين السلطات والاحترام الكامل لصلاحية الهيئات الدستورية، وثالثا، بشمولية سيادة القانون. كما يتطلب تعديﻻت دستورية على مراحل تضمن تطبيق مبدأ “الشعب مصدر السلطات”.
(2) وعلى هذه الخلفية، فإن النقطة المركزية في تجديد النظام السياسي الأردني هي التطبيق غير الملتبس لمبدأ الولاية العامة لمجلس الوزراء، بما في ذلك تحمّله كامل المسؤولية إزاء السياسات والقرارات ونتائجها في التزام صريح من قبل كل الأطراف. والأساس في تعزيز هذا المبدأ هو تشكيل الحكومات البرلمانية التي تستند ليس فقط إلى الثقة البرلمانية وإنما أيضا إلى المشاورات النيابية الملزمة سواء لجهة تسمية رئيس الوزراء أم لجهة تسمية التشكيلة الوزارية ( باستثناء وزيري الدفاع والداخلية اللذين يختارهما الملك). وهو ما سيقود إلى حكومات سياسية برامجية، يمكن محاسبتها بدقة عن فترة ولايتها التي تنتهي، فقط، لدى سحب الثقة البرلمانية منها. ولا بد من التأكيد، هنا، أن الحكومات البرلمانية بالنسبة للأردن، ليست حكومات أغلبية حزبية بل حكومات أغلبية توافقية.
(3) تنشأ عن ذلك، ضرورة إعادة النظر في طبيعة وصلاحيات مناصب الأمناء العامين للوزارات، بوصفهم أعضاء الحكومة الدائمة، المهنيين غير المسيسين وغير المعرّضين للقرارات العشوائية في التعيين والتنحي.
(4) تفعيل وزارة الدفاع وشغل المنصب من قبل وزير مختص.
(5) إخضاع وزارة الخارجية للحكومة، وتغيير تركيبتها المنغلقة عن المجتمع الأردني وتياراته،
(6) الالتزام السياسي والأخلاقي بنزاهة الانتخابات العامة والبلدية،
(7) تجديد النخب السياسية والإدارية ووقف عملية التدوير في المناصب والفصل بين النخب السياسية والإدارية وبينهما وبين النخب الاقتصادية،
(8) انتخاب مجالس المحافظات، وإناطة إدارة وصلاحيات العملية التنموية والتطوير المحلي بها، في إطار الخطة التنموية المركزية،
(9) تطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى مركز دراسات استراتيجي مؤهل وهيئة تنموية وطنية وتعديل صفته الاستشارية إلى صفة رقابية مشابهة لصفة ديوان المحاسبة،
(10)إصدار (قانون من أين لك هذا؟) وتفويض قاضي مختص بقضايا الفساد لدى النيابات العامة
(11)إحياء وزارة الإعلام وتطويرها واعتبار وزارة الثقافة وزارة سيادية وتخصيص الأموال اللازمة لقيامها بمهمات الانتاج الثقافي والنشر وتطوير ودعم المنتديات الثقافية.
(12) تغيير قانون اﻻنتخاب الحالي بآخر يحافظ على الثوابت التاريخية من ناحية، ويدعم تشكيل الكتل النيابية من ناحية أخرى.
سابعا، تجديد السياسة الخارجية:
تعاني السياسة الخارجية الأردنية من الجمود في الخيارات والحركة والتثبت عند رؤية ومنطلقات أصبحت فائتة. إن العالم يتجه اليوم نحو تعددية قطبية غير أيديولوجية مبنية على المصالح الواقعية. وينبغي أن تستجيب السياسة الخارجية الأردنية للتحولات الحاصلة في الإقليم والعالم من خلال بناء علاقات متوازنة مع الأقطاب، وخصوصا لجهة تعزيز العلاقات الثنائية المتعددة الأشكال مع روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وعلى المستوى الإقليمي تتشكل ضرورة تجديد العلاقات مع العراق، وتطبيعها مع إيران، والتوصل إلى مقاربات جديدة للعلاقة مع الدول والمجتمعات والقوى العربية، على أساس التوازن والانفتاح والبحث عن الفرص بمعزل عن قيود حقبة القطب الواحد وما كان يسمى بمحور الاعتدال.

Posted in Uncategorized.