ناهض حتّر
انتحار غازي كنعان – وزير الداخلية السوري، المسؤول السابق عن الاستخبارات السورية في لبنان – ربما كان الحل التراجيدي الخلاق الذي يستبق ازمة اتهام المسؤول السوري بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري.
في المعلومات الصحافية ان التهمة ضد سورية فيما يتصل باغتيال الحريري، مصممة على أساس دق اسفين بين الرئيس بشار الأسد واعضاء الحرس القديم، ما يؤدي، حسب السيناريو الامريكي، الى اشتباك سوري – سوري. فالأسد سيكون مخيراً بين الاصطدام مع رجال والده. وبين مواجهة العقوبات الدولية- وربما الهجوم العسكري – اذا لم يسلم المتهمين باغتيال الحريري. لكن لم يخطر على بال واشنطن، ان أبرز اولئك المتهمين المحتملين سوف ينتحر. بل وربما يفعل كل المتهمين السوريين الآخرين، الشيء نفسه.
انتحار كنعان هو مؤشر واضح على صعوبة استخدام اغتيال الحريري لاطلاق عملية تغيير سياسي دراماتيكية، مثلما حدث في لبنان، تشمل احداث فوضى سياسية وأمنية، وتفكيك البنى الحزبية والأمنية للنظام وتعزيز دور القوى «الصديقة» كالاخوان المسلمين والليبراليين والاكراد في تداعيات تنتهي باسقاط النظام او اعادة تركيبه بصورة جذرية.
يقترح الامريكيون، ضمناً، وربما علناً عما قليل، – «انتفاضة سنيّة» في سورية، على اساس حق الاغلبية الطائفية في الحكم. وهم، اذ يسترجعون تاريخ الصدامات بين الاخوان المسلمين – ممثلي الطائفة السنيّة- والبعث العلماني المستند الى تحالف «الاقليات»، فانهم يأملون بانهيار النظام السوري بالصراع الطائفي، وباستخدام المطرقة الاخوانية.
في تقديرنا ان هذا السيناريو، يبدو ممكناً على الورق، ولكن، على أرض الواقع، ربما كان النظام السوري أكثر صلابة. كذلك، فان تاريخ المعارضة السورية، والتزاماتها، يجعلانها، على عكس المعارضة العراقية السابقة، محددة بالسياق الوطني، وأقل قدر على التعاون مع الامريكيين.
هل سيلعب رفعت الأسد، إذن، دور رأس الحربة؟ انه أضعف من القيام بدور رئيسي، كما ان المعارضة السورية، تنبذه،اخيراً، فان أكراد سورية لا يشكلون وزناً ديمغرافياً وسياسياً وعسكرياً مثلما هو الحال بالنسبة لأكراد العراق.
الأرجح ان يجد الأمريكيون أنفسهم امام خيارين: التراجع – والاحتماء وراء اجراءات دولية تقودها فرنسا ضد سورية، او مهاجمة السوريين ويجري الحديث، خصوصاً، عن احتلال شريط حدودي عميق داخل الاراضي السورية المحاذية للعراق، بحجة منع تسلل المقاتلين او نقل الامدادات اليهم داخل الاراضي العراقية.
وعلى الرغم من ان هذه الحجة لا تصمد للنقد- إذ أن المأزق الأمريكي في العراق لا يأتي من سورية، بل من فشل الغزو في قمع المقاومة وتنفيذ مشروع سياسي يتصف بالرشاد- فان ادارة بوش الصغير، ترى في العدوان على سورية، مخرجاً لمأزقها السياسي في العراق، بحيث تعرض تسوية طائفية على مستوى الاقاليم، تمت هيمنتها.
هكذا مَخْرج سيزيد من حدّة وعمق التورط الأمريكي في المنطقة، وسيوسع نطاق العمليات العسكرية، وسيضطر واشنطن الى حشد المزيد من القوات، وتقديم المزيد من الخسائر والاموال في مغامرة جديدة غير محسوبة، سوف تؤدي، بالتتابع، الى فلتان امني على مستوى الاقليم كلّه.
وعن هذه النقطة، دعونا نقرأ، بعناية مقالة زيبنجو بريجنسكي «المستشار الأسبق للأمن القومي الامريكي» انه يلاحظ ان قدرة الولايات المتحدة على احتمال تكاليف المغامرات العسكرية والسياسية لادارة بوش الصغير، ليست بلا حدود، وهي تهدد «الامبراطورية» بالانهيار.