أربعة عوامل أساسية تتحكم بمسار الإنتقال من الكمبرادورية الإحتكارية السلطوية المباركية إلى كمبرادورية تنافسية وموسّعة في مصر الإخوانية على النموذج التركي الناجح نسبيا, وهي: التعددية السياسية والحريات, والحد من سلطة وامتيازات المؤسسة العسكرية, والإستقلالية, والدولة المدنية. ونلاحظ, بصدد النموذج المصري الممكن, ما يلي:
أولا, إن التعددية السياسية – بمعناها الفعلي – مهددة بسيطرة إنتخابية محكمة للإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية, وهو ما يخلق مناخا شاملا لا يعيق التعددية السياسية فقط, وإنما, ايضا, التعددية الاجتماعية والثقافية, ويعطّل الحريات, ويدفع فئات ناشطة إلى السكون أو الهجرة, ويقيّد المبادرات الإقتصادية للعناصر المستبعدة, سياسيا أو ثقافيا أو طائفيا.
ثانيا, أن سلطة الجيش في مصر مضمونة من قبل الولايات المتحدة التي تزال لاعبا رئيسيا في مصر والمنطقة, بما هي – تلك السلطة – ضمانة للسلام مع إسرائيل ومنع الثورة الاجتماعية في الداخل.
ولدى حسبان هذا العامل الاستراتيجي بالعلاقة مع الثقل الداخلي التقليدي للجيش المصري, نرى أن موازين القوى بين البرجوازية الكمبرادورية – حتى في ثوبها الإخواني المدعوم حزبيا وإنتخابيا – والمؤسسة العسكرية, لا تسمح بلجم قيادات الجيش وامتيازاته المؤسسية أو تقليص حصته من الكعكة الإقتصادية, وهو ما سيظل يفرض أشكالا من التشوّه الإقتصادي والإحتكار والضغوط على مجتمع الأعمال.
ثالثا, أظهر السلوك السياسي للإخوان المسلمين – كما السلفيين – ولاءهم الإمتثالي لثوابت النظام الدولي والإقليمي المسيطرين, وذلك من خلال تأكيد العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب, وعلى معاهدة السلام مع إسرائيل, ولكن الأهم من خلال العلاقات المتشابكة – والتبعية – مع السعودية وقطر.
بل أن المرشح الاخواني الرئاسي, خيرت الشاطر, رائد الإتصال والحوار مع الغرب وصاحب المقال الشهير منذ 2005 بعنوان ‘ لا تخافونا’, لم يعلن ترشّحه إلا بعد أن ضمن له وفد إخواني إلى واشنطن, قبول اليمين الأمريكي ( الجمهوري جون ماكين) بمرشح إخواني للرئاسة المصرية, وبعد أن ضمن, شخصيا, مباركة قطر التي زارها للشأن نفسه. وهو ما يسمح بالقول إن الإخوان المسلمين لا يضمرون نزعة لسياسات استقلالية أو أو لنهج يستعيد مكانة مصر الإقليمية, كما يسمح بالإستنتاج أن الإسلام المصري الحضاري يتجه لكي يتحول إلى سلفية وهابية صلدة. إن الإستقلالية النسبية – واسترداد مكانة مصر – شرطان لازمان للنمو السريع المتسع, غير الممكن من دون قدر من التنافسية الخارجية غير المقيّدة بالولاء الكامل للقوى الدولية والإقليمية.
رابعا, إن الدولة المدنية مهددة في مصر.
فعلى خلفية تصاعد السيطرة الوهابية, يأتي إعلان الشاطر, مدويا وقاطعا, بتلخيص برنامجه في نقطة جوهرية هي تطبيق الشريعة في مصر.
وهو ما يعني تقويض الدولة المدنية. وستكون لذلك التوجه آثار إقتصادية مباشرة تتعلق بجملة من النشاطات مثل السياحة الدولية والإنتاج الفني والثقافي… الخ, لكن آثاره البعيدة المدى هي الأهمّ من حيث أنها تهدد وحدة المجتمع المصري وتهدد الأقباط بالتحول إلى مواطنين من الدرجة الثانية, وتضغط على الفئات المدنية وتلجمها, وتؤدي, في النهاية, إلى منع الإستقرار في البلاد, إلا بوسائل استبدادية, ما يعيد مصر إلى المربع الأول.
العرب اليوم