النظام الانتخابي الذي يضمن تحقيق الاندماج الوطني في البلاد وتحديث النخبة السياسية ودمقرطة الدولة واطلاق قوى التنمية، هو النظام القائم على الدائرة الوطنية الواحدة والقائمة المغلقة والنسبية. أعني أنني أطالب بـ 100 بالمئة من المقاعد للدائرة الوطنية، وليس 50 أو 30 بالمئة كما يقترح ‘الإخوان’ وحلفاؤهم في المعارضة التقليدية.لكن هذا النظام له مقدمة ضرورية هي تعيين الحدود السياسية والديموغرافية والدستورية والقانونية للدولة الأردنية أولا. فقد كانت هذه الدولة تتكون، حتى عام 1988، من إقليمين مندمجين، هما الضفة الشرقية والضفة الغربية. ولكن، في ذلك العام، قرر الأردن فك ارتباطه بإقليم الضفة الغربية، وقررت منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني اعتبار ذلك الإقليم، جزءا من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة.
إلا أن أيا من الحكومات الأردنية، منذ ذاك، لم تتخذ الخطوات الدستورية والقانونية اللازمة والمتطابقة مع الواقع المستجد، الواقع الذي يتطلب دسترة وقوننة فك الارتباط ، أي تعديل جملة القوانين التي لا تزال تربط بين الإقليمين، وخصوصا قانون الجنسية لسنة 1954 والتوصل مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين، سواء في حكومة رام الله أم في حكومة غزة، إلى حل جذري للملفات العالقة معهما في أكثر من مجال، ولا سيما مجال المواطنة والإقامة والعودة ـ الفعلية والسياسية ـ للنازحين، والاتفاق على صيغة لطرح ملف اللاجئين. وكل ذلك أساسي لتحديد الإطار القانوني والسياسي لمن هو الأردني عضو الهيئة الناخبة في الدولة.
إن انجاز هذه المهمة الوطنية ليس خيارا ولا وجهة نظر، بل هو شرط أساسي لحل أزمة التطور الديموقراطي والتنموي في البلاد. ومن دون تحقق هذا الشرط، فستظل تلك الأزمة تراوح في مكانها، وسنظل نعاني من انشقاق عميق يعرقل تكوّن الكتلة الاجتماعية الديموقراطية القادرة على توحيد المجتمع وتحديث الدولة.
الثنائية الخانقة المواظبة على احتكار السياسة ( ثنائية النظام والإخوان المسلمين) ترفض تحقيق الشرط الموضوعي الذي وصفناه للتوّ، بحجج متنوعة، ولكنها لا تصمد للنقد. فهي مجرد ادعاءات تخفي وراءها مصلحة النظام في منع التكوّن الدولي الديموقراطي ومصالح ‘الإخوان’ في التعامل مع الأردن كساحة لا كوطن من جهة، وسعيها لتمثيل عصبية الأردنيين من أصل فلسطيني، من جهة أخرى.
على هذه الخلفية، يمكننا أن نفهم ما يلي:
أولا، إن النظام الانتخابي المقرر والقائم على مزيج من دوائر الصوت الواحد المحلية والدائرة الوطنية ( بمعدل 20 بالمئة من المقاعد) هو مجرد تعبير عن حالة مرضية تحتاج إلى المعالجة الجذرية.
ثانيا، إن الكتلة الأردنية الأصل ليست مهتمة بالمناقشات والصراعات الجارية حول النظام الانتخابي؛ فهي تدرك أن الانتخابات ـ بغض النظر عن شكل النظام الانتخابي ـ لن تحدث فرقا بالنسبة لمطالبها الأساسية ( الاقتصادية ـ الاجتماعية) التي كانت ترى أنه يمكن تحقيقها بطلب ‘المكارم’، وأصبحت ترى اليوم أنه يمكن تحقيقها فقط بالضغط في الشارع. ومع ذلك، فهذه الأغلبية لها حساباتها المحلية الخاصة بها فيما يتصل بالانتخابات. ولذلك، فهي لن تقاطعها بحال من الأحوال.
ثانيا، إن الكتلة الفلسطينية الأصل ليست، بدورها، معنية بكل النقاش المذكور. وهي غير مهتمة بالدولة، وتدير حياتها خارجها وبمعزل عنها. وهي، لذلك، ستقاطع الانتخابات، كما تفعل عادة، سواء أكان النظام الانتخابي بصوت أو بصوتين، وسواء أكانت الدائرة الوطنية موجودة أم لا.
تتهرّب النخب من الحقائق الاجتماعية السياسية القائمة بالفعل، وترفض تحمّل المسئولية التاريخية للنهوض بمشروع التوحيد الوطني وبناء الدولة الحديثة، وتغرق في مناقشات تدور على هامش المجتمع والحياة .
العرب اليوم