الندم العقاري

ناهض حتّر
الاستثمار رقم (1) في الاردن، كان.. وهو الان.. وسيظل في المدى المنظور، عقاريا.

ويعود ذلك الى عدة اسباب متداخلة:

اولا: ما تزال اسعار الاراضي والعقارات الاردنية، منخفضة نسبيا على المستوى الاقليمي.

ثانيا: لا توجد قيود سياسية على تملك الاراضي والعقارات من قبل غير الاردنيين. بالعكس، هناك تسهيلات جذب.

ثالثا: الاردن مستقر امنيا وسياسيا وسط ظروف اقليمية ملتهبة او مهددة.

رابعا: وبالتالي هناك طلب اقليمي من قبل هجرات عائلية من الطبقات الغنية والوسطى من الشرق والغرب والشمال.

خامسا: توقع ازدياد هذا الطلب، يدفع بالمستثمرين الى امتلاك المزيد من الاراضي والعقارات، والاستثمار في مجال الاسكان.

سادسا: ضحالة البنى الاستثمارية في القطاعات الاخرى. وضعف مردوديتها ما يجعل قسما من اموال بيع الاراضي والعقارات، يدور في شراء اراض في مناطق ابعد. وهكذا. وهي دورة سوف تستمر ما لم تحد منها عراقيل سياسية.

القسم الثاني من حصيلة الاتجار العقاري يدفع بفئات جديدة من المستثمرين الى سوق عمان المالي، لكن القسم الثالث -وربما الاهم- يذهب لتمويل مستوردات جديدة، ويزيد العجز التجاري.

المحصلة الاجمالية لهذه العملية، سلبية. فحركة الاموال غير المعتمدة -اي غير المستثمرة في حقول رأسمالية مباشرة -تؤدي الى تضخم واقعي غير محسوب وخطر للغاية، وتعمق انكشاف الاقتصاد الوطني وضعف القدرة على سداد المديونية الخارجية – بسبب زيادة الاستيراد- وهي لا تولد فرص عمل جديدة للاردنيين، وتزيد اسعار السلع والخدمات.. وايجارات البيوت، وتجعل من امتلاك شقة سكنية مناسبة حلما بالنسبة للفئات الشعبية ومشروعا استنزافيا بالنسبة للفئات المتوسطة الدنيا. وهي آلية تعجل الفرز الطبقي وتدفع مئات الالوف، بحدة، الى مستويات معيشية ادنى، والى الفقر بتدرجاته.

وهكذا، فنحن نواجه حقبة ثمانينات اخرى مضاعفة، ولكن هذه المرة من دون مساعدات سخية وثابتة كالتي كنا نحصل عليها من العرب وخصوصا من العراق.

والتوسع المذهل في بناء القصور والفلل والشقق، يكلف الخزينة وسيكلفها اموالا طائلة في اقامة وصيانة البنى التحتية ومشاريع جر المياه الى عمان بالاضافة الى المشكلة التقليدية المتعلقة بتوفر المياه في البلد. من اين سنأتي بالمياه لكل هذه المباني والشقق؟ وكم سيكلفنا، في غضون العقد القادم، ماليا وسياسيا، الحصول على مياه تكفي لجعل الحياة في عمان ممكنة؟

مؤخرا انتشرت طرفة «الندم العقاري» تعبيرا عن الاحوال النفسية للمواطنين الذين فاتهم شراء عقارات في السنوات الفائتة. بالنسبة لي فانني اعتقد ان الدولة الاردنية، ستكون، غدا، اكبر النادمين، عندما تنتهي السكرة وتأتي الفكرة!

Posted in Uncategorized.