المنتدى الاجتماعي الاردني

ناهض حتّر
كان من المدهش حقاً، ان يكتب «يساري» معروف مثل الزميل جميل النمري، مستصغرا شأن انعقاد «المنتدى الاجتماعي الاردني» معظماً منتدى الرأسمالية المتوحشة، اعني «المنتدى الاقتصادي» في البحر الميت.

وقد كان النمري في البحر الميت. وهو حدد خياراته. ونحن لا نلومه. فهو حر في اختيار المعسكر السياسي الذي يريد. بل انه ليس اول «يساري» يلتحق بالليبرالية الجديدة من «صف طويل». لكننا نلومه على عدم التزامه، كصحافي، بالموضوعية. وهذا ما اظهره، بالمقابل، الزميلان ياسر ابو هلالة وحسن الشوبكي مراسلا «الجزيرة» اللذان غطيا الحدثين بانصاف وعدالة، ومنحا لكل منهما الوقت والاهتمام، من دون انحياز او تعظيم او استصغار.

انعقاد «منتدى دافوس» في اجواء الابهة وحضور النجوم والقيادات السياسية والاقتصادية، والحديث عن استثمارات ضخمة، ومناخ العلاقات العامة والتطبيع مع اسرائيل الخ كل ذلك يدير رؤوس الواهمين، ويجعلهم لا يرون اهمية انعقاد «المنتدى الاجتماعي» المناوىء في شقة الجمعية في جبل اللويبدة، حيث احتدم النقاش بين مناضلين اردنيين وعرب حول قضايا الانتقال الى الديمقراطية بوصفها مشروعاً اجتماعياً بالدرجة الاولى. وهذا ما انتبه اليه الزميل احمد ابو خليل الذي لم تغره الابهة، ولم تدر رأسه عن اهمية النقاش الاجتماعي وحيويته.

قدمت حوارات «المنتدى الاجتماعي الاردني» وتوصياته، اطروحات جديدة حول التغيير الديمقراطي، ولفتت الى ان الاصلاح السياسي يبدأ من الدستور. وطرحت شعارا بسيطاً، ولكنه مركزي وجامع، وهو «العودة الى دستور 1952» فهذا دستورنا الذي كلل نضال الاردنيين من اجل تأسيس دولتهم الحديثة. وقد لحقت به تعديلات غير دستورية وغير ديمقراطية، جراء ظروف استثنائية في الخمسينات والستينات والسبعينات، لم تعد قائمة الآن، ولم تعد مؤثرة على السياسة الاردنية. وكل المطلوب الآن هو التوافق على شطب جميع التعديلات الطارئة على دستور ،1952 واعتباره المرجع الاساسي للاصلاح السياسي.

ويستكمل ذلك بقانون انتخابات دائم يحافظ في الآن نفسه على هوية الدولة وعلى التمثيل الديمقراطي، من خلال القائمة النسبية في «المحافظة» – المعتمدة كدائرة انتخابية – لكن الديمقراطية تظل مستحيلة من دون التنمية والعدالة الاجتماعية. وقد كشفت اوراق «المنتدى الاجتماعي»، الطابع التدميري والمتوحش للنهج الاقتصادي لليبرالية الجديدة الكمبرادورية، من حيث ان مشروعها يقوم على تهميش الاغلبية وافقارها من خلال «أ» اخضاعها لمعادلة الاسعار الدولية والاجور المحلية «ب» تحميلها العبء الضريبي دون الاغنياء «ج» اخضاع المشاريع الصغيرة – التي تشكل عماد القطاع الخاص – لمنافسة غير عادلة وتدمير الصناعة والتجارة والخدمات المحلية الصغيرة «د» تفكيك الخدمات العامة وخصخصتها «ه¯» تحويل عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام الى فائض سكاني «و» التمادي في الاقتراض وتضخيم المديونية «ز» وتوجيه كل الموارد لخدمة المستثمرين الاجانب ووكلائهم المحليين.

انها صورة مثالية للرأسمالية المتوحشة التي سيؤدي نجاحها الى افراغ كل اصلاح ديمقراطي من اي مضمون. وقد اقترح «المنتدى الاجتماعي الاردني»، بالمقابل، صيغاً مرنة لادارة العلاقات الاقتصادية مع الخارج، تأخذ بالاعتبار المصالح الوطنية والاجتماعية. وبالعودة الى الدستور، اقترح «المنتدى»، اقرار الضريبة التصاعدية على الدخل، تصل الى 60 بالمئة مع اعفاء ذوي الدخل المحدود من ضريبة الدخل كلياً. وذلك بدلاً من الغاء ضريبة الدخل على الاغنياء، وفرضها – بصورة ضريبة مبيعات – على الفقراء.

طبّل اردنيو منتدى دافوس لقناة البحرين. ولكن دراسة علمية مسهبة قدمت في المنتدى الاجتماعي للدكتور سفيان التل، بينت ان هذا المشروع يهدد بيئة البحر الميت وينذر بكوارث زلزالية ويستنزف الموارد ويضخم المديونية، ويستنزف موارد مائية حلوة مقابل الحصول على ما لا يزيد عن 100 مليون متر مكعب من المياه المحلاّه.

مشروع كهذا ينبغي الا تقرره اقلية، بل ينبغي ان يخضع للحوار العلمي الشفاف في اطر ديمقراطية. وهذه هي الصيغة التي يقترحها « المنتدى الاجتماعي» لمناقشة واقرار المشاريع الاقتصادية والتنموية التي يقررها الآن بضعة اشخاص في غرف مغلقة.

Posted in Uncategorized.