‘البروفايل’ الذي انجزه ‘جولدبيرج ‘ حول الملك عبدالله الثاني لصالح ‘ذا اتلانتك’ ، مكتوب بروح معادية ولئيمة ، هدفها توريط الملك والدولة في عداوات مع جميع الأطراف المحلية والإقليمية، باستثناء دعاة التوطين السياسي والمحاصصة، فهم الوحيدون الذين نجوا من النقد الملكي. ووراء ذلك هدف أكثر لؤما يستهدف تفكيك الدولة الأردنية، عشية استحقاقات كبرى.
‘البروفايل’ .. وهو قصة يكتبها صحافي جراء معايشته الشخصية وحواره الممتد معها، أسلوب يُتبع مع النجوم خارج السياسة أو مع مرشحين أو سياسيين متقاعدين، ولا يصحّ مع متولّي المناصب الفعليين من ملوك ورؤساء ورؤساء وزارات الخ .
و’ بروفايل’ جولدبيرج هو مجرد فخّ نُصبَ بمبادرة جهة في الديوان الملكي . وينبغي أن تدفع تلك الجهة، الثمن، بل إنه آن الأوان لإعادة هيكلة الديوان جذريا، وتحريره من شبكة لا تتمتع بالأهلية أو الإخلاص للدولة الأردنية.
المقاطع المثيرة من البروفايل / الفخ، هي تلك المتعلقة بآراء الملك بفريقين من النخبة الأردنية، هما (1) كبار البيروقراطيين والزعامات العشائرية ممن جرى وصفهم ب ‘ الديناصورات’، و(2) المخابرات.
‘ الديناصورات’ وصف سياسي. وهو، في هذه الحالة، ينطبق على الزعامات البيروقراطية والعشائرية فعلا. لكن علينا ألا ننسى أن هؤلاء وأسلافهم هم الذين بنوا الدولة الأردنية، بل ولا يوجد إنجاز واحد تم على أيدي سواهم. وإذا كان الزمن يحوّل الفاعلين إلى ديناصورات خارج الزمن، فإن عناصر النخبة السياسية الحديثة المعروفين ب’ الديجيتال’ لم يكن دورهم إلا تهديم ما بناه الديناصورات. والمفارقة تكمن في أن جميع المشاريع والأفكار التي تبنتها مجموعة الديجيتال، قد فشلت كليا، وخلفت وراءها أزمة المالية العامة من تراكم المديونية ومضاعفة عجز الموازنة والتسيّب المالي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية جراء فشل التنمية وتعمّق البطالة والفقر وتهميش المحافظات.
وبينما كان فساد البيروقراطية التقليدية يتم من خلال استخدام الصلاحيات الإدارية لتمكينها من التبرجز ( منزل فخم ومزرعة وسيارة لائقة وحساب بنكي الخ ) فإن فساد الديجيتال تحول إلى مؤسسة أكلت من لحم الدولة الحيّ.
الفئة الثالثة من فئات النخبة السياسية الأردنية هي الآتية من مجال الأعمال. وتبين أن هؤلاء مجرد متربّحين وليسوا عناصر رأسمالية قادرة على إدارة تحوّل اقتصادي نوعي في البلاد.
الفئة الرابعة تتمثل في مجموعة نواب ونشطاء التجنيس والمحاصصة. وأعف عن وصفهم في هذا المقام.
بالمحصلة، مشكلة الدولة الأردنية هي مع نخبتها السياسية، وليس مع ‘ الديناصورات’ فقط، بل إن مشكلتها الأكبر تكمن في أنها لا تجد خارج الديناصورات أحدا ذا شأن يشغل المناصب العليا. ولذلك، نرى الديناصورات الآن فيها جميعا.
بالنسبة للمخابرات، فلعلي من جملة المواطنين الذين تأذوا كثيرا وطويلا من ممارساتها، ولكن ذلك لا يجعلني سعيدا بالهجوم عليها؛ فهي تمثّل حزب الدولة الأردنية التي ليس لها، بعد، حزب. وأظن أن تدمير المخابرات هو هدف عزيز على أعداء الدولة الأردنية.
ليس مطلوبا من المخابرات، في أي دولة، أن تقول نعم للمستوى السياسي؛ فهي ليست أداة وإنما هيئة للأمن الوطني. وهي ارتكبت وترتكب الكثير من الأخطاء والخطايا، لكن تظل كينونتها قائمة في استقلالها النسبي عن المستوى السياسي، ما يتيح لها إدارة المشهد استراتيجيا.
يبقى أن المماهاة بين الديموقراطية وبين زيادة تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني ـ وهو التصور الأميركي للديموقراطية الأردنية ـ تصطدم بالواقع الاجتماعي السياسي القائم، وأخشى أنها قد تفجره.
وأول ما يسترعي الانتباه هنا أن تلك الزيادة ليس من شأنها تحسين مستوى النخبة الأردنية؛ فالنماذج التي بين أيدينا تقول العكس.
ودفعا للالتباس، فإنني من دعاة التمثيل الصحيح لكل المواطنين، ولكن ذلك لا يتم بقرار، بل في إطار خطة وطنية للاندماج، عليها أن تلحظ رفع السوية الاقتصادية والاجتماعية للمحافظات، وزيادة تمثيل أبناء العشائر في القطاع الخاص، واطلاق برنامج تنموي قادر على منح الفرص المتساوية للمواطنين، على أن يتم كل ذلك في إطار سيادة القانون ووحدة الدولة الأردنية ووحدة هويتها، ويستلزم، أولا، إنهاء حالة فوضى التجنيس والمواطنة على المستوى القانوني من خلال إقرار قانون جديد للجنسية يلحظ تعليمات فك الارتباط لعام 88.
المطلوب اليوم بدء العمل ـ المؤجل طويلا ـ على بناء نخبة أردنية جديدة، وطنية وديموقراطية وتنموية، قادرة على تجديد الدولة الأردنية. وهو ما لا تصنعه الانتخابات، وإنما خدمة العلم والمدرسة العليا للإدارة والخطة التنموية وتمكين الأحزاب ودمج التكنوقراط ـ ولو من المعارضة ـ في إطار استراتيجية وطنية هي الغائبة.