ناهض حتّر
حتى أصدقاء حزب اللّه، العارفين بمكامن قوته الاجتماعية والسياسية والتنظيمية- وأتشرف انني منهم- تأخذهم الدهشة من مستوى الأداء القتالي الاحترافي الذي يخوضه مقاتلو الحزب ضد الغزاة الاسرائيليين.
لقد حولت المقاومة اللبنانية، أقوى جيش في الشرق الاوسط، الى أضحوكة، وكشفت، بصورة لا رجعة فيها، الهشاشة الدفاعية للدولة العبريّة، وسقوطها الأخلاقي، والاخير، يتبدى في أن 90 بالمئة من القتلى الاسرائيليين من الجنود بينما 90 بالمئة من شهداء لبنان، مدنيون، ثلثاهم من الاطفال!
نحن نتفهم الأحزان على تدمير لبنان وضحاياه، لكن الحرب لها ثمنها الباهظ دائماً. المهم ان المعتدين الصهاينة يدفعون الثمن أيضاً، بينما يذوق جيشهم مرارة الهزيمة والضياع.
ورداً على السؤال: لماذا يدفع لبنان، وحده، الثمن؟ أقول أن لبنان هو الذي سيحوز مكاسب النصر، لقد احتلّ هذا البلد- الصغير الطرفي الذي عدّه محمد حسنين هيكل، ومن بعده كثيرون، «مصطنعاً» – موقعاً قيادياً في العالم العربي اليوم. لقد سدّد لبنان فاتورة الدم لشرعية وجوده ووحدته الوطنية وسيادته ومكانته ودوره اللاحق ونهضته الآتية، وسيخرج من هذه الحرب، أكثر قوة وصلابةً وحداثةً وديمقراطية وقدرةً على تحقيق اختراقات تنموية وثقافية.
على العرب، أيضاً، ان يسددوا فواتير النصر للبنان، فالبلدان العربية كلها- خصوصا المشرقية- سوف تفيد، وبغض النظر عن الصراعات والخلافات، من تهشيم قدرة الردع الاسرائيلية. الآن، بعد التبدل الحاصل في ميزان القوى، تستطيع النخب الحاكمة العربية- اذا ارادت- مراجعة جملة علاقاتها مع اسرائيل والولايات المتحدة، واذا لم ترد ذلك، وتسعى إليه، فإنها تغامر بظهور نخب جديدة لملء الفراغ الاستراتيجي الحاصل.
من مصلحة النظام العربي القائم ان يغتنم فرصة الهزيمة الاسرائيلية من أجل سحب التنازلات المقدمة لاسرائيل في سياق الهزيمة العربية المديدة، والتفاوض على أسس جديدة، وبغير ذلك، فإن هذا النظام سوف يتصدع وينهار لصالح نظام جديد يأخذ على عاتقه ردع اسرائيل، وهذا النظام الجديد قد يتجسد في شبكة من المنظمات الشعبية المسلحة التي قد تشكل «دولاً» داخل الدول، أو أنها قد تعيد تأسيس هذه الدول بصورة جذرية.
إن ملاحظة الملك عبد الله الثاني حول امكانية استنساخ حزب الله في البلدان العربية، في حال استمر تعثر الحلول السياسية المتوازنة، هي نبوءة قابلة للتحقق فعلاً، فالفراغ الحاصل في الأمن القومي العربي إزاء اسرائيل وأمريكا سوف يُملأ، في، النهاية، من قبل الشعوب. وقد قدم حزب الله مثالاً ناجحاً على ذلك.
لكن يبقى السؤال عما إذا كانت هذه الصورة سوف تحفز النخب العربية الحاكمة على استدراك الموقف، وتقديم مقاربة ذات صدقية للصراع العربي – الاسرائيلي؟
الاتفاقات الثنائية مع اسرائيل- ومجمل ما يسمى العملية السلمية- لم يعد لها ما يبررها، أولا، لأنها لم تنه الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية، ولم تقد الى حل القضية الفلسطينية وتشعباتها، وثانيا، لانها لم تكبح جماح العدوانية الاسرائيلية او خطط تل أبيب التوسعية بما في ذلك مشروع «الوطن البديل»، وثالثا لان الصراع العربي – الاسرائيلي برمته أصبح جزءاً من الصراع العربي- الامريكي على صورة الشرق الاوسط الجديد، حيث تملأ ايران الفراغ الحاصل في الجبهة العربية.
ولقد كان مقترحاً- قبل الحرب اللبنانية الاسرائيلية وحتى اسبوعها الأول- اصطفاف النظام العربي مع الولايات المتحدة واسرائيل في مجابهة ايران و«امتداداتها»، وصولاً الى تجديد «العملية السلمية».
وقد تبين ان هذا المقترح غير واقعي. فالشعوب العربية سوف تصطف، دائماً، وراء الخندق المعادي لاسرائيل، فما بالك إذا كان هذا الخندق قادراً على إذلال الدولة العبرية؟!