ناهض حتّر
تابعت، بانتباه، اللقاء الخاص الذي أجراه الزميل ياسر ابو هلالة في فضائية الجزيرة «5/7/2005» مع ابو محمد المقدسي، وتفرّست بالرجل، واصغيت لكلامه. ولكن حضور ابو هلالة الطاغي على ضيفه «ابرز منظري التيار السلفي»! شوَّش عليّ، وجعلني افكر بهذه الشخصية التي تستحق الشفقة، اكثر مما تستحق الاختلاف او الاتفاق.
لا اعرف اذا كانت سنوات السجن هي التي أثرت على شخصية «المقدسي»، فطبعتها بالضعف والارتجاج… أم ان الرجل كان دائماً هكذا. وفي هذه الحالة يدهشني ان يمتلك درويش كالمقدسي، ما يقال عن تأثيره الكبير على تيار من المجاهدين، وما نعرفه من الاهتمام الشديد للأجهزة الأمنية والاعلام.
أفكار المقدسي فقيرة سطحية عامية مشوشة، تقع بين أُنموذجين: الانموذج الاخواني وانموذج القاعدة. وكلاهما له منطق داخلي متماسك، ورؤية سياسية مركبة على الصراعات الاجتماعية – السياسية القائمة المحتدمة. فالاخوان يبنون اطرهم ومراكز نفوذهم ومؤسساتهم باتجاه الهيمنة السلمية على المجتمع والدولة، بينما يخوض مجاهدو القاعدة، المعركة ضد (أعداء) الاسلام، الفعليين والمفترضين، في سياقات سياسية تستخدم وسائل العنف. ولا يمكن الجمع بين الانموذجين الا على نحو مضحك. فمنهج «التراكم» الاخواني يتطلب القبول بالدساتير والقوانين والمؤسسات القائمة والتعاطي مع الانظمة والأحزاب. وهي آلية سياسية لا يمكن تشغيلها بالآراء التكفيرية والقطيعة السياسية مع المجتمع والدولة.
يقول المقدسي انه لم يتراجع عن افكاره السابقة. ولكن اغلب الظن انه توصل الى تسوية يستعيد فيها عدداً من الفتاوى المناسبة لشق صفوف «منظمة القاعدة في بلاد الرافدين» بزعامة أبو مصعب الزرقاوي الذي تتركز سيكولوجية المقدسي على مشاعر الغيرة والحسد إزاءه. إذ لم يعد «المقدسي» هو «الأمير»، بل مجرد سجين هامشي يؤلف الرسائل، بينما يتبوأ تلميذه اهتمام وسائل الاعلام العالمية.
الأخطر: ان استخدام سلفي ضد آخر كما ظهر المقدسي في فضائية الجزيرة أمس الاول يجعل السلفية هي المرجعية للنقاش السياسي كله. فلن يكون عندنا، بعد، سوى سلفيات تقليدية او معتدلة او متطرفة. وفي السلفية، التطرف هو الفائز حتماً وهذا خطر.