انخفضت عمليات المقاومة العراقية بصورة تنازلية وملموسة, خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة. لم يكسب الاحتلال الامريكي, الحرب, لا عسكريا ولا سياسيا.على المستوى العسكري, لا يمكن التغلب, من حيث المبدأ, على مقاتلي العصابات المسنودين من مجتمعهم, كذلك فان الطاقة القتالية للمقاومين العراقيين وقدراتهم القتالية, اثبتت انها عالية فعلا منذ الاحتلال العام 2003 وحتى الآن. واخيرا, فإن منظمات المقاومة العراقية لم تُسحق, ولكنها تحولت الى مليشيات حاكمة في مناطق نفوذها. وهكذا, فقد اندرجت في الحالة العراقية لما بعد الاحتلال, فلم تعد نقيضا سياسيا له.
على المستوى السياسي, لا يفيد هذا التطور المشروع الامريكي في العراق, سوى في الحصول على هدنة للانتخابات الرئاسية. فالبنية العراقية مستعصية على الادارة الخارجية, وهي لا تدار الا بشروطها الداخلية, وبوصفها قوة إقليمية مستقلة. وهذه هي خلاصة خبرة الإنجليز مع العراق منذ تسعين عاما, وقبل انشاء الدولة الوطنية في بلاد الرافدين. فما بالك الآن?
فماذا تعني تلك الهدنة اذن?
لقد انتصر قانون البقاء – وهذا طبيعي – على قانون القتال بالنسبة لمجتمع المقاومة وحاضنته من العشائر العربية السنية التي قاتلت بضراوة وشجاعة منقطعتي النظير لمدة اربع سنوات, من دون اسناد خارجي وفي ظروف استثنائية, على ثلاث جبهات. فبالاضافة الى العنف الاحتلالي الاجرامي, واجهت ما يمكن وصفه بأنه حرب تصفية بل حرب إبادة من قبل قوتين داخليتين, هما المليشيات »الشيعية« المرتبطة بإيران, ومليشيات »القاعدة« المرتبطة بقوى اقليمية اخرى, من بينها – للمفارقة – إيران ايضا. الاولى ضربت الحضور السني في العاصمة بغداد وجوارها, والثانية استبدت بالسنة في مناطقهم ذاتها. وظهر, بالتالي, تيار عربي سني عريض يدعو الى الحفاظ على الذات, ما تطلب القبول بالهدنة مع المحتلين المنهكين بدورهم حتى الإعياء.
غير ان العامل الرئيسي الذي حوّل منظمات المقاومة العراقية مليشيات علنية للسنّة, هو افتقارها, منذ انطلاقتها, الى رؤية سياسية عراقوية جديدة تتطابق مع احتياجات البلد في مرحلة التحرر الوطني. وأشير, مثلا, الى شعار »المقاومة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي« وترجمة هذا الشعار, عند العراقيين الشيعة والاكراد, هي »استعادة السلطة للسنّة«, اي انه, في السياق العراقي الملموس, لم يكن شعارا ثوريا, بل طائفيا. ولم تستطع اي من منظمات المقاومة, بسبب طابعها الديني والمذهبي, ان تقدم رؤية وطنية داخلية جامعة, بينما رفض البعثيون, المبادرة الى النقد الذاتي ومراجعة اخطاء الماضي, مصرين على منهج استعادة السلطة, وهو ما ادى بهم الى عزلة خانقة, ليس فقط عن المجتمع العراقي, بل, ايضا, عن مجتمع المقاومة.
الا ان أسوأ ما حدث هو خطيئة احتضان »القاعدة« التي افتتحت المذابح المذهبية, وانحرفت بخطاب المقاومة الى الشحن المذهبي, وانتهت الى فرض »دولة« طالبانية استبدادية سوداء على مناطق المقاومة بالذات.
لقد ناقشنا كل ذلك في حينه, واولا بأول, وبالتفصيل, وحاولنا, بالكتابة والنقاش المباشر مع المعنيين, تقديم اقتراحات لسياسات بديلة, ما استجر علينا مئات المقالات من الشتائم والتشكيك. والآن, نستطيع ان نطرح استنتاجنا الرئيسي من تجربة المرحلة الاولى من المقاومة العراقية, وهي ان الأيديولوجيات القومية والدينية لا يمكنها ان تقود حركات التحرر الوطني الى نصر ناجز. فالمقاومة ليست فقط بندقية, بل استراتيجية بناء وطني متكاملة. واذا كان هذا »القانون« الاجتماعي – السياسي, يصح دائما, فإنه في حالة العراق المتعدد الاديان والمذاهب والقوميات, يغدو قانون المقاومة بالذات.