يوم الجمعة الفائت, حدث صدام مؤسف بين قوى عشائرية وبين الإخوان المسلمين في المفرق. وقد جرى تصوير هذا الصدام وكأنه هجمة ‘ بلطجية’ على حراك إصلاحي. وهذا غير صحيح, فقد شهدت المفرق حراكا إصلاحيا كثيفا لم يتعرض ل¯ ‘البلطجة’, كذلك, فالبلطجة هي عمل ترتكبه قلة من المأجورين بلا دوافع سياسية. وهو ما لا ينطبق على حركة تضم المئات إنْ لم يكن الآلاف من شباب عشائر بني حسن الكرام. ولا يقوم البلطجية بالطبع بإصدار بيانات سياسية موقعة بالأسماء الصريحة. وهذا ما فعله محتجو المفرق على الحراك الإخواني.
هناك, إذاً, صراع سياسي في المفرق بين ‘الإخوان’ وبين التيارات العشائرية, لا صراع أمني بين الإصلاحيين وبين ‘ البلطجية’. والسؤال الآن ما هو السبب وراء ذلك الصراع? لماذا يلح الإخوان على الحضور السياسي في المفرق مهما كان استفزازيا? ولماذا ترفض التيارات العشائرية في المحافظة, ذلك الحضور وتسعى لمنعه ولو بالقوة?
سأجيب الآن على ذلك السؤال الذي لا يلغيه الضجيج الإعلامي حول البلطجة, ولا تحجبه محاولات أطراف معادية للإصلاح فعلا, الإستفادة من صراع موجود فعلا.
الإجابة تكمن في الجغرافيا السياسية والديموغرافية لمحافظة المفرق. تقع هذه المحافظة على حدود طويلة متاخمة لسورية. وبالإضافة إلى العلاقات العشائرية عبر الحدود التي يعبرها الأقارب عادة, يقيم في المحافظة, بصورة موسمية, آلاف السوريين من العاملين في نشاطات تربية الأغنام والزراعة والتجارة الجوّالة.
هذا الواقع الجغرافي السياسي والديموغرافي لمحافظة المفرق أغرى الإخوان المسلمين باستخدامها للتأثير في أحداث سورية, معتبرينها ¯ وهي كذلك فعلا ¯ هدفا استراتيجيا.
نشط الإخوان بين صفوف السوريين المقيمين على مستويين علني وسري. العلني واضح ويتمثل في تحويل العمال الوافدين إلى ‘لاجئين’ في سياق عملية تصنيع اللاجئين السوريين المموّلة بسخاء من قبل قوى إقليمية.
وفي إطار هذه العملية, يتم إغراء العمال الوافدين بالمساعدات العينية والمال لكي ينضموا إلى ‘ثورة الحرية’ في سورية كلاجئين في الأردن أو كممثلين في كليبات إخبارية للفضائيات التي تشنّ حملة إعلامية منظمة ضد سورية. ويظهر هؤلاء كثوار وهاربين من البطش ويروون ما يريده المخرج منهم من قصص يجري استخدامها تلفزيونيا أو في تقارير حقوق الإنسان.
يسر العديد من العمال الوافدين أن يتحولوا إلى لاجئين يحصلون على الرعاية المنظمة ومبالغ تصل إلى ألف دينار للشخص, أما الأكثر شجاعة بينهم فيحصلون على مبالغ أكبر لقاء مهمات أكثر خطورة.
هنالك مخاوف في المفرق من أن تتحوّل صناعة اللاجئين إلى صناعة مواطنين. كذلك, هنالك مخاوف من توريط المفرق بتحويلها إلى قاعدة خلفية لنشاطات سياسية وامنية معادية لسورية, اولا بسبب الجيرة الودية وثانيا بسبب الرغبة في تلافي أعمال انتقامية. وعلى العموم لا تريد عشائر المفرق, ولا هو من مصلحتها, أن تتحول ديرتها إلى منطقة اضطراب أمني, وربما قاعدة للجماعات المسلحة الناشطة في البلد الجار.
سوف نلاحظ, هنا, إلحاح الإخوان مرارا على تنظيم مهرجانات تأييد ‘للثورة السورية’ في المفرق. لكن تكتيكهم الأساسي يكمن في إقامة نشاطات ذات شعارات إصلاحية والسعي إلى اختراق واحتواء الحراك الشعبي المحلي كغطاء للهيمنة السياسية على المحافظة الثمينة جدا عندهم من الناحية الاستراتيجية. ويتم استخدام كل أشكال الترغيب لاجتذاب عناصر عشائرية تواقة عن حق إلى الإصلاحات, لكنها تجهل طبيعة الأجندة الإقليمية للنشاط الإخواني.
بالمقابل, تكوّن مناخ واسع معاد للإخوان بين عشائر المفرق. و تعمل أطراف مضادة للتغيير الديموقراطي على استغلال هذا المناخ لصالحها, وتوجيه الغضب العشائري ضد الإخوان نحو غضب ضد كل الحركة الإصلاحية. ويشعر شباب الحراك الشعبي المستقل في المحافظة بالغيظ جراء وقوعهم بين المطرقة والسندان. فهؤلاء الذين يشكلون جزءا حيويا من الحراك الأردني ويتبنون مطالبه الوطنية والاجتماعية ويحرصون على تنمية وتطوير المحافظة في كل المجالات, منتخين لتحقيق مطالبها, يخشون, كأهلهم, من هيمنة الإخوان ذات البعد الإقليمي, لكنهم يخشون أيضا من أن يكونوا ضحية لصراع موضوعي نشب وسيستعر. وهم يناقشون منذ الجمعة الفائتة كيف يمكنهم الحفاظ على الحراك الوطني الاجتماعي المحلي مستقلا من جهة وقويا من جهة أخرى.0
(العرب اليوم)