الجديد في الحياة السياسية الاردنية، يكمن في ان المعركة الفكرية بين أنصار »وادي عربة« ومعارضيه، قد انتهت لمصلحة المعارضة. فالرأي العام الاردني، توصل الى الاجماع على ما يلي: ان الصلح المنفرد بين الاردن و»اسرائيل« في ظل استمرار الاحتلال »الاسرائيلي« للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية، وتصاعد الصراع الوطني على هذه الجبهات ضد المحتلين »الاسرائيليين« يعزل الاردن عن أمته، ويضعفه، ويحوله الى فريسة سهلة للتوسع »الاسرائيلي«، المباشر: بإخضاع الاردن للهيمنة »الاسرائيلية« السياسية والامنية والاقتصادية، وغير المباشر: بتهجير مواطني الارض المحتلة الى الارض الاردنية، وخلق حقائق ديموغرافية وسياسية جديدة تقود الى الوطن البديل. ان »اسرائيل« كانت، وهي الآن، وستظل العدو الرئيسي للشعب الاردن. ان معاهدة »وادي عربة«، بخلاف التطبيل والتزمير، لم تؤد الى استعادة الحقوق الاردنية في الارض والمياه، بل ان هذه المعاهدة الآثمة، فرطت بالحقوق الاردنية، وبالسيادة الاردنية، بالاضافة الى انها أقرت مبدأ التوطين وآلياته. نحن لسنا بإزاء تعاون اقتصادي بريء بين دولتين، بل بإزاء اختراق »اسرائيلي« واسع للاقتصاد الاردني، يهدف الى تحويل الاردن الى مستعمرة »اسرائيلية« تقدم خدمات الحديقة الخلفية والعمالة ذات الأجور الرخيصة للرأسمال »الاسرائيلي«. تحاول »اسرائيل« التي اعطتها معاهدة »وادي عربة« اطارا قانونيا لخدمة أطماعها، الاستيلاء على الارض والثروات والآثار الاردنية، بالشراء غير المشروع، وبالاتفاقات الثنائية الجائرة، وعبر سياسات الخصخصة واللامركزية والمناطق الحرة. ان المشاريع الثنائية المشتركة بين الاردن و»اسرائيل« مصممة لخدمة التوسع »الاسرائيلي«. فالادارة المشتركة للاغوار، وتحويل العقبة الى منطقة حرة، وسكة حديد البحر الميت العقبة، هي نماذج فقط لاتجاه التخطيط الحكومي الاردني، نحو تفتيت البلد وإخضاعه لمتطلبات الاقتصاد »الاسرائيلي«. ان تحويل »البتراء«، بمقتضى الاتفاقات السياحية الاردنية »الاسرائيلية« من مركز لتطوير السياحة الاردنية، الى مشهد تكميلي للسياحة »الاسرائيلية«، هو مثال من عدة أمثلة، على حقيقة التعاون الاقتصادي بين الاردن و»اسرائيل«.وقد تبلورت هذه القناعات، شعبيا، في اعتبار التطبيع، على مستوى العقل الجمعي، عارا وطنيا واجتماعيا، بحيث اضطر المطبعون، اخيرا، الى تحويل التطبيع الى ممارسة سرية. الى ذلك، توصلت اوساط واسعة في الاجهزة الرسمية، الى ان »اسرائيل« تستخدم الدولة الاردنية، ولكنها لا تقبضها جدا، فهل ستتوصل هذه الاوساط مبكرا، الى حقيقة ان »اسرائيل« تتمسك بخيارها الاستراتيجي، وهو ضرورة إلغاء الدولة الاردنية، على مذبح تصفية القضية الفلسطينية، وتأمين شروط الحل »الاسرائيلي« لمشكلة الفلسطينيين، كالتالي: طرد كل الفلسطينيين من فلسطين، وإقامة »اسرائيل« اليهودية من البحر الى النهر. السيطرة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا، على »فلسطين الشرقية«. حل المشكل الديموغرافي والسياسي الفلسطيني في هذه »الفلسطين الشرقية«. وبذلك تحصل »اسرائيل« على وضع امبريالي انموذجي: مركز امبريالي في فلسطين. مستعمرة مباشرة في الأردن. هيمنة سياسية واقتصادية في المنطقة، مدعومة بترسانة هائلة من الاسلحة، بما فيها الاسلحة النووية. الآن، في الراهن، يواجه الخط الحكومي الاردني ما يأتي: ان الأوهام الاقتصادية التي كانت وراء التوقيع على »وادي عربة«، هي مجرد أوهام! فلا المديونية شطبت، ولا المساعدات الدولية انهمرت… ولا »الشرق الاوسط الجديد« قام!! ان الاوهام السياسية التي كانت وراء الدعم الرسمي الاردني المعلن وغير المعلن لحكومة نتنياهو هي مجرد أوهام!! فخط نتنياهو شارون الذي يريد كل فلسطين، وكل الاردن، غير مستعد لتسهيل شراكة أردنية في الضفة الغربية او القبول بها، فهو، أصلا، لا ينظر الى الاردن بوصفه ذاتا، او طرفا في المفاوضات، بل بوصفه موضوع المفاوضات وموضوع الحل. لا شيء يمنع الولايات المتحدة الاميركية من تبني النظرة الشارونية الليكودية نحو الاردن. فهي، في النهاية، تريد حلا، وفي اطار المصالح »الاسرائيلية«. واذا كان »الاسرائيليون« قادرين على انجاز هذا الحل… فستدعمه حتما، ولن يثنيها عن ذلك التحالف والصداقة. ففي السياسة لا يوجد صديق دائم. على المستوى العربي، تعاني الحكومة الاردنية، من عزلة خانقة، ولا ريب. فالحكومة الاردنية اختارت ان تكون خارج الصف العربي، فأخرجها العرب من صفهم، وعزلوها بالكامل. وعلى المستوى الداخلي، لم يعش الأردن، ابدا، هذه القطيعة بين الشعب والحكم… … وفي المحصلة، يتوقع المراقبون السياسيون، بالاستناد الى منطق السياسة،… ولي، بالضرورة الى المعلومات، ان تتجه الامور نحو تغيير حكومي سياسي. وفي هذا الاطار، قد تكون حكومة معتدلة يرأسها السيد زيد الرفاعي، من وجهة نظر النظام السياسي الاردني، البديل الملائم. ومن البديهي ان هذا البديل، او سواه من بدائل النادي السياسي الرسمي، لا يستجيب الى تطلعات الحركة الوطنية الاردنية، وبرنامجها الذي يقوم على ضرورة إلغاء »وادي عربة« ووقف برنامج الخصخصة بمعناه الشامل، والشروع في تطبيق حزمة من الاصلاحات الديموقراطية، نستطيع إيجازها في ثلاثة محاور:أولا: الاصلاح الدستوري والقانوني، الذي يكفل إقامة نظام برلماني ديموقراطي غير منقوص.ثانيا: الاصلاح السياسي الذي يكفل ايجاد حل نهائي للعلاقة الاردنية الفلسطينية، ويعيد بناء السياسة الخارجية الاردنية على أساس المبادئ القومية.ثالثا: الاصلاح الاقتصادي الاجتماعي، الذي يكفل إطلاق قوى التنمية والانتاج، واعادة توزيع الثروة الوطنية على أسس العدالة الاجتماعية.ومن الواضح ان محاور الاصلاح »الثقيلة«، هذه لا يستطيع ان ينهض بها سوى حزب وطني شعبي جماهيري ما يزال الاردن في أمسّ الحاجة اليه، وبدونه، سنظل ندور في الحلقة المفرغة.