أوساط الحكم تستخفّها نشوة بـ ‘الانتصار’; المشروع الإخواني انكفأ من جهة, والحراك الشعبي تراجع من جهة أخرى. لكنه تقدير زائف ومبني على افتراضات وتحليلات زائفة.
ضغوط المشروع الإخواني لم تتبدد بفضل قدرات الحكم, ولكن بفضل المقاومة الوطنية الشعبية التي رأت في ذلك المشروع تهديدا إقليميا ودوليا لكيان البلد, فوقفت ضده, ولم تمنحه الشرعية والدعم اللازمين لنجاحه. وكان ذلك النجاح ممكنا, في مقابل عجز الحكم, طوال النصف الثاني من العام 2011 .
لا نغفل, هنا, العوامل المؤثرة الأخرى, ومنها صمود سورية, وما تبعه من وقوع السياسة الخليجية – خصوصا القَطرية – في مأزق, وتراجع الدعم الأميركي – المؤقت – للتغييرات السياسية في الأردن. لكن كل هذه العوامل الخارجية – وسواها – لم تكن لتفيد الحكم لولا التصدي الوطني الشعبي للمشروع المركّب الذي استهدف تمكين ‘الإخوان’ من الحكم وتلبية مطالب ‘الحقوق المنقوصة’ وتأهيل ‘حماس’ كلاعب رئيسي في الساحة الفلسطينية. وقد تجمّع كل ذلك في خطاب ‘الإصلاح السياسي’ الذي استلزم الدفع بقيادات التيار الوطني الإصلاحي في ‘ الإخوان’ إلى مقدمة المشهد, ثم, واعترافا بفشل المسعى, جرت الإطاحة بهم ووضعهم على الهامش, وتعبئة المواقع القيادية الإخوانية برموز متشددة, لكن ليس في الشأن الداخلي, وإنما في الشأنين الديني والفلسطيني.
نشأ الحراك الشعبي ونما خارج هذه المعادلة. إنه حراك داخلي بامتياز – ولذلك, فقد استعصى على ‘ الإخوان’ – لكنه, لهذا السبب بالذات, سيظل عاملا أساسيا في السياسة الأردنية. وهو مرشح, في رأيي, للتوسع والتجذّر أكثر فأكثر في المستقبل القريب.
أولا, هناك الغضب الشعبي المتفاعل إزاء الخذلان الجديد لقوى الحراك من قبل الحكم. فما أن تعدى الحكم مأزق المشروع الإخواني, حتى أدار ظهره للحراك ومطالبه وحساسيته, في إطار العودة إلى نهج ما قبل 2010 ، من الاستفراد بالقرار والدفع بجمهور المحافظات, مرة أخرى, إلى الامتثالية السياسية, وحشره في دور التصفيق.
ثانيا, هناك الشعور باليأس من محاسبة مرحلة الفساد والخصخصة, يرافقه الشعور بالمرارة من تبرئة رموز تلك المرحلة, بل واستمرار وجودهم في المشهد, معززين مكرمين, وكأنهم غير مسؤولين أقله عن الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد. فهذه الأزمة التي سيدفع الأردنيون ثمنها مجددا, لم تهبط من السماء, ولكنها نتجت عن موديل اقتصادي نيوليبرالي ثبت فشله وتبينت نتائجه الكارثية, ولا يزال مستمرا من دون اعتراف اصحابه بالمسؤولية أو القيام بما يستوجبه الفشل من مراجعة ونقد ذاتي,
ثالثا, هناك الشعور بالقلق إزاء الإجراءات المنتظرة على صعيد إزالة الدعم عن السلع والخدمات, و ما يمكن أن تواجهه الفئات الشعبية من ضغوط معيشية جديدة من الصعب تقديرها مسبقا. وبينما تفتقر حكومة فايز الطراونة إلى الرؤية الاقتصادية الاجتماعية التي من شأنها تقديم معالجة متكاملة ومتوازنة لأزمة المالية العامة, فإن البلاد تتجه نحو المجهول,
رابعا, هناك الشعور المتنامي بعدم الثقة إزاء وجود قرار سياسي أو حتى نوايا جدية لإنجاز خطة تنموية في المحافظات التي ترسف تحت الفقر والتهميش,
خامسا, هناك الشعور العميق بأنه يجري عمدا – ولأسباب غامضة – التأجيل المستمر للحسم القانوني للمواطنة والهوية.
كل ذلك يغلي في مرجل.
العرب اليوم