المراكز والاطراف

ناهض حتّر
شهد العالم العربي، في العقد الاخير، تحولات عميقة اعادت ترتيب ادوار المراكز والاطراف. فالمراكز الكبرى التقليدية تحولت الى كتل كمّية، بينما الاطراف الصغرى- الهامشية في الماضي- تمكنت من تحقيق حضور نوعيّ وقيادي. وقد جاءت الحرب اللبنانية- الاسرائيلية، الآن، لكي تحسم الموقف، وتكرس الصورة العربية الجديدة.

لقد تحولت امارة دبي الصغيرة الفقيرة الموارد – الى اهم مركز مالي وتجاري في المنطقة- بينما ظلت السعودية على ضخامتها وغناها- اسيرة الاقتصاد الريعي التقليدي، وتفتقر الى الحيوية اللازمة لتحويل قدراتها وثرواتها الى مبادرة اقتصادية نوعية منافسة.

قطر – وهي لا تزيد عن حيّ راق غير مكتظ من احياء القاهرة – تسيطر على الاعلام العربي، عبر فضائية «الجزيرة» التي تحولت الى اهم وسيلة اعلامية على مستوى العالم كله. اين الاعلام المصري الصّداح، بل اين الاعلام السوري والسعودي؟ انه يتوارى في هامش ضيق. لبنان الصغير الجميل – وليس مصر او سورية – هو الذي يقود معركة الامة، ويقرر الحرب والسلام على امتداد المنطقة!

السيد حسن نصر الله، زعيم حزب يمثل طائفة واحدة من طوائف لبنان، ولكن زعامته تجاوزت زعامات العرب التاريخية، من عبدالناصر الى حافظ الاسد الى صدام حسين!

اعلى نسبة تعليم في العالم العربي، يحظى بها الاردنيون والفلسطينيون- وهما من شعوب الاطراف الصغيرة والفقيرة – ومنهم تأتي افضل الكادرات في حقول عديدة. وعمان – مثلا- هي عاصمة الطب في العالم العربي.

الانجازات الثقافية والابداعية لم تعد حكرا على العواصم الكبرى من كل البلدان، بل من الجاليات العربية في المهاجر، تظهر عقول وابداعات. اهمّ مفكر سياسي فلسطيني «عزمي بشارة» يأتي من عرب الـ 48 وكتّاب المغرب يغزون المشرق – وليس العكس- كتب الجزائرية احلام مستغانمي والمغربية فاطمة المرينسي، هي الاكثر مبيعا …

الميزة الاستراتيجية للسعودية – وهي التحكم – النسبي- في تسعير برميل النفط، تتراجع بسبب التغييرات الهيكلية في سوق البترول العالمي (بلوغ الانتاج حده الاقصى، وزيادة الطلب من قبل مستهلكين جدد كبار كالصين، وصعود الاستثمارات النفطية الروسية).

مصر الـ 70 مليونا تعاني من شلل اقتصادي وسياسي وثقافي واعلامي. وعلى المصريين الآن ان يفكروا كيف تحولت مصر من دولة قيادية مزدهرة على مستوى العالم الثالث، الى دولة فقيرة، نحن، بالطبع، نحب مصر، وننظر اليها بوصفها الأخ الاكبر. ولكنها تفشل في كل امتحان، حتى في الاغنية «الشبابية» وتقليد نانسي عجرم.

طاقات سورية مجمدة. لا مبادرات في المنافسة الاقتصادية، او في التحول الديمقراطي او في تحرير الارض المحتلة. سورية تدور حول نفسها.

العراق محتل. أنهكته الامبريالية بضربات متتالية عنيفة اجرامية، وتمنعه الانقسامات الطائفية والاثنية من النهوض، على انه اكثر المراكز تأهيلا للقيادة بميزاته المتعاضدة: السكان والثروات والعمق الاجتماعي والسياسي والثقافي، والخبرات العلمية والتقنية، وحيوية العراقيين. ومع ذلك، قد تأتي شرارة النهضة في المركز العراقي من الطرف اللبناني بالذات، من التأثير النضالي لحزب الله على الاغلبية «الشيعية».

* * *

سأغامر واقترح وجود «قانون» لانتقال الفعالية من المراكز الى الاطراف في العالم العربي، تشغّله اربعة مؤثرات رئيسية:

1- ديناميات العولمة الاقتصادية.

2- قيام وهيمنة «العالم الافتراضي» – الاعلام والمعلوماتية، الفضائيات والشبكة العنكبوتية.

3- تنامي اقتصاديات المعرفة – التعليم والتأهيل.

4- تنامي قدرات وفعالية المنظمات السياسية والمسلحة الصغيرة في مواجهة «وافشال» المشاريع السياسية والعسكرية الكبيرة – انتشار تقنيات الاسلحة الصغيرة الفتاكة والاتصالات، والاستخبارات، ونجاح المنظمات في امتلاكها واستخدامها الجيوش التقليدية الثقيلة البطيئة الباهظة التكاليف. هذه الجيوش لم يعد لها قيمة قتالية – سياسية وشمل ذلك الجيشين «العملاقين»، الامريكي والاسرائيلي.

Posted in Uncategorized.