المجتمع اولاً

ناهض حتّر
تقوم فلسفة مشروع «قانون ضريبة الدخل» الجديد، على معادلة واضحة هي: توحيد وتخفيض ضريبة الدخل على الشركات، وتعويض الخزينة بزيادة الضريبة على دخول الفئات الوسطى من المهنيين والاداريين واصحاب المشاريع الصغيرة، وهذا هو بالذات منظور الليبرالية الجديدة الذي يضع مصالح البزنس فوق مصالح المجتمع.

صحيح ان 90 بالمئة من المواطنين لا تطالهم اعباء ضريبة الدخل، لكن هؤلاء من الفقراء فعلا. وهم يدفعون 75 بالمئة من الضريبة العامة على المبيعات، ويطحنهم الارتفاع المستمر في اسعار السلع والخدمات.

والآن جاء دور الفئات الوسطى التي ستتأثر بصورة دراماتيكية جراء زيادة الاقتطاعات الضريبية من دخولها الى حد مساواتها بالشركات، لكن الشركات ليس لها عائلات تحتاج الى السكن والغذاء والترويح عن النفس، وليس لها ابناء يتعلمون ويمرضون.

اعلى اعفاء ضريبي بالنسبة لرب الاسرة، عن نفسه وعن زوجته وابنائه ومصاريفهم الدراسية الخ هو «15» الف دينار، وهذا المبلغ قد يكون عادلا لو كانت الدراسة الجامعية والطبابة مجانية، او كانت اجور المساكن او فوائد اقساطها، او كانت مصاريف الحياة اليومية وفواتير التدفئة والنقل والكهرباء والمياه، والاتصالات في نطاق العقلانية الاجتماعية، لكنها ليست كذلك.

الغى مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، الاعفاءات عن الرواتب التقاعدية وايجارات المساكن وفوائد القروض السكنية، وحدد الاعفاء الخاص بالدراسة الجامعية ب¯ 3000 دينار لكل الابناء في حين اصبحت كلفة الطالب الجامعي الواحد تتراوح بين «6000» و «12000» دينار كما تم تحديد الاعفاء الخاص بالاستشفاء ب¯ «3000» دينار فقط. وهو مبلغ ضئيل امام الارتفاع الهائل في تكاليف الطبابة. كذلك لم يلتفت واضعو مشروع القانون الى ذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى المزمنين والامومة والطفولة باعفاءات ملائمة.

باختصار، غاب المنظور الاجتماعي عن «المشروع» وحضر المنظور الليبرالي الجديد بقوة. وهو ما سيكون له عواقب سلبية على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي ايضا. فزيادة الاقتطاعات الضريبية من الفئات الوسطى، سوف يؤدي الى تخفيض الطلب الداخلي والاستثمارات الصغيرة ويعرقل التنمية المحلية. كذلك فان الهامش المتاح للحراك السياسي والثقافي سوف يتقلص بالنظر الى ان زيادة الاعباء الضريبية على النخب سوف يؤدي بها الى التراجع عن قائمة من النشاطات النوعية مثل التبرعات السياسية او الانتساب للجمعيات او المشاركة في الفعاليات او تناول العشاء في مطعم او شراء كتاب الخ.

ما زلت اقترح من اجل الحفاظ على التوازن الاجتماعي وتحريك الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية، زيادة مبلغ الاعفاء للافراد حتى 35000 دينار ومن ثم التدرج في النسب الضريبية من 5 الى 50 بالمئة وفي هذه الحالة، سوف تحصل الخزينة على المزيد من الاموال من دون الاضرار بالفئات الوسطى وفعالياتها.

كذلك، فان غياب الدور الاقتصادي – الاجتماعي للدولة، لا بد من تعويضه بالاعفاءات الضريبية الخاصة للمشاريع الصغيرة والتعليم والطبابة والتبرع للاحزاب السياسية والهيئات الاجتماعية والجمعيات الخيرية.

Posted in Uncategorized.