ناهض حتّر
لخص السفير الامريكي في العراق، زلماي خليل زاد، المبادرة الحكومية العراقية للمصالحة الوطنية بدعوة المسلحين الى القاء اسلحتهم والانضمام الى العملية العسكرية «الامريكية» في العراق. وهذه الدعوة لا تشمل الصداميين او الارهابيين.
المبادرة التي اطلقها رئىس الوزراء نوري المالكي، عشية الهجوم الكبير على الرمادي المحاصرة -اكبر معاقل المقاومة- تستعيد الاسلوب القديم للعصا والجزرة.
والمبادرة/الجزرة، هي (1) عفو عام عن السجناء والمعتقلين. وهذا العفو يقع في منطقة غامضة. فالقوى الشيعية ترفض العفو عن «الملطخة ايديهم بدماء العراقيين» وكأن الميليشيات الطائفية الشيعية، لم تفعل الشيء نفسه. وكذلك، فان الكونغرس الامريكي يرفض قتل جنود الاحتلال، كأن هؤلاء لم يسقطوا في حرب. لكن الافراجات الكثيفة المستمرة الحاصلة، اما انها تكشف ان الاجراءات على الارض اكثر واقعية من التصريحات او انها تكشف ان الالاف من المعتقلين العراقيين هم ضحايا ابرياء.
(2) تجميد العمليات -وليس وقفها كليا- ضد مناطق المقاومة، اي تجميد الجرائم المرتكبة بحق السكان المدنيين العزل بهدف ارهابهم سياسيا، طالما ان مطاردة المسلحين سوف تبقى مستمرة.
(3) مراجعة عملية «اجتثاث البعث» واخضاعها للقضاء، والتعويض المالي عن الموظفين المدنيين لدى النظام السابق ممن جرى فصلهم من الخدمة. وهذه ليست عملية استرضائية فقط، ولكنها تقع في باب الحاجة الملحة الى الكادرات. وترفض التيارات الشيعية الطائفية، هذا البند من «المبادرة»، خشية خضوع الاجهزة الامنية والعسكرية والمدنية، مجددا، تحت سيطرة البعثيين، او قل: الكادرات العربية السنية.
(4) الاطار السياسي لهذا العرض، هو برنامج لاستكمال وتعزيز بناء الجيش والشرطة، ما يسمح -بالتوازي- بانسحاب معظم القوات الامريكية من العراق، بحلول صيف 2007 .
هذه الخطوط الاساسية لمبادرة المصالحة الوطنية في ايجاز جوهري يظهر ان الاستراتيجية الامريكية الان هي تأمين انسحاب المحتلين، لكن مع ضمان استمرار النظام الطائفي التابع، وبالتالي ضمان الهيمنة الامريكية على العراق، وهذه المعادلة خرقاء، لانها لا تضمن شيئا سوى تمكين الايرانيين من الهيمنة على البلد.
التعنت في استمرار الربط بين الصداميين وارهابيي القاعدة، معناه منح الاخيرين غطاء سياسيا، والفشل المسبق لاستراتيجية عزل الارهاب، فالصداميون هم، في الاخير، قوة سياسية عراقية متجذرة. صحيح ان نفوذهم يتراجع، لكن عزلهم ليس ممكنا على المستوى السياسي.
وتحمل مبادرة المالكي، شروط فشلها، فالفصائل الرئيسية من المقاومة العراقية لن تلقي السلاح، من دون تحقيق شرطها الاساسي المتمثل في انسحاب القوات الامريكية كبداية لعملية سياسية جديدة، لماذا؟ لان المقاومين العراقيين يدركون بصورة واقعية ان اندراجهم في العملية السياسية تحت الاشراف الامريكي، يعني تهميشهم سياسيا والحاقهم بالنظام القائم، في حين ان الجدول الزمني المحدد للانسحاب الشامل للغزاة، سوف يغير موازين القوى الداخلية، ويعيد الاصطفافات السياسية على اساس وطني بالانتقال الى مقاومة الاحتلال الثاني (الايراني) وهي عملية سوف تشد اليها قوى سنية وشيعية، وتخلق كتلة سياسية جديدة لبناء دولة عراقية مستقلة، سوف تأخذ بالطبع الاوزان السياسية للقوى بالاضافة -بالطبع- للاوزان الديمغرافية للطوائف والقوميات.
تحتاج مبادرة المالكي الى تحقيق شرطين لازمين: حكومة قادرة على لجم الاعتراض الاتي من المنظمات الطائفية الشيعية ولجمها واجبارها على تفكيك ميليشياتها. وهو ما يتطلب حكومة قادرة على التفاوض واتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ المصالحة، من دون القيود البرلمانية. وهو ما يفتح الباب امام سيناريو الانقلاب العسكري.
الشرط الثاني، الانسحاب السياسي للولايات المتحدة من تقنين عملية المصالحة، وبالمقابل توفير غطاء سياسي ودعم -ربما عسكري- من البلدان العربية.
مبادرة المالكي سوف تفشل لانها ليست شاملة وجريئة بما يكفي، ولان حكومة المالكي لا تملك القدرة والعزم والتماسك لتنفيذها.
ومع ذلك، فان اهمية هذه المبادرة، تكمن في نقطتين هما:
1- الاقرار – لاول مرة- بحجم الازمة التي يواجهها المشروع الامريكي في العراق.
2- الاقرار – لاول مرة- بما يشبه الجدول الزمني لانسحاب المحتلين.
لكن التسوية المطروحة ما تزال ناقصة وعاجزة عن التوصل الى مخرج فعال للازمة العراقية.