تخول المادة 73 من الدستور الأردني، جلالة الملك، بناء على تنسيب مجلس الوزراء، صلاحيات تأجيل عقد الانتخابات العامة، بسبب ‘ ظروف قاهرة’ . وقد أفادني خبير دستوري مرموق بأن صلاحيات جلالته هذه ، تظل سارية حتى بعد الاعلان الرسمي عن عقد الانتخابات العامة، وحصول قوائم الناخبين والمرشحين على الصفة القطعية. وذلك ، بالنظر إلى ظهور ‘ ظروف طارئة ‘ مستجدة غير قابلة للعلاج في الفترة المتبقية على موعد ها المعين. وأنا أكتب ، الآن، بصفتي مواطنا، لأناشد جلالة الملك ، استخدام صلاحياته الدستورية لوقف الحملة الانتخابية الراهنة، وتأجيل الانتخابات العامة، استنادا إلى الظروف القاهرة التي انكشفت مؤخرا، ولا يمكن استدراكها قبل العشرين من الشهر الحالي، ما يجعل عقد الانتخابات ضارا بصورة المملكة وسمعتها وأمنها الوطني ومستقبل تطورها السياسي:
أولا، فلقد ظهر ، بالملموس، أن النظام الانتخابي الحالي ، القائم على الصوت الواحد المجزوء، قد وصل إلى طريق مسدود من حيث قدرته على تأمين الحد الأدنى من أصالة التمثيل السياسي للأمة. وهو ما انكشف ، جليا، في استنكاف قادة الرأي والشخصيات العامة والمثقفين عن الترشح، ولا مبالاة القسم الأكبر من المواطنين بالحملة الانتخابية. وهو ما سينعكس ، سلبيا، على نسبة الاقتراع، ومستوى المجلس، ومكانته لدى المجتمع الأردني، وصورة المملكة التي تواجه استحقاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدا في المرحلة المقبلة.
وبما أنه أصبح من غير الممكن ، أصلاح النظام الانتخابي قبل موعد اجراء الانتخابات العامة، فإن ذلك يعد ظرفا قاهرا يوجب تأجيلها.
ثانيا، وقد ظهر، بالوثائق والمستندات ، والتي قامت ‘ العرب اليوم ‘ بالإعلان عن بعضها، ويتوفر لدى العديد من الجهات السياسية والاعلامية ، الكثير منها ، أنه تمت ، بالفعل، عمليات نقل غير قانونية وكثيفة لسجلات الناخبين ، من دوائر إلى أخرى. وهو ما يغير الخارطة الانتخابية السياسية لعدة دوائر انتخابية أساسية، ويحول، بالتالي، دون أصالة تمثيلها، ويطعن ، مسبقا ، في نزاهة الانتخابات العامة، ويمنح عضوية المجلس النيابي لغير مستحقيها حسب النظام الانتخابي القائم نفسه الذي يلح على تمثيل المجتمعات المحلية والكوتات من قبل قواعدها الشعبية بالذات.
ولما كان هذا مطعنا أساسيا لم يعد بالإمكان معالجته ، بالنظر إلى اكتساب سجلات الناخبين ، الصفة القطعية، فإن هذا الواقع يعد ظرفا قاهرا يسمح بتأجيل الانتخابات العامة.
ثالثا، وقد ظهر أن تجارة الأصوات الانتخابية لم تعد ممارسة فردية أو ثانوية، بل ظاهرة عامة من غير الممكن معالجتها بالوسائل الشرطية أو الوعظ الأخلاقي. ويعود ذلك إلى طبيعة النظام الانتخابي نفسه الذي يسمح بالفوز بأصوات رمزية، وإلى واقع المناقلات غير القانونية بين الدوائر، وإلى هجمة أصحاب الثروات على الترشح، والمكاسب المغرية التي جرى تكريسها للنواب .
والظهور الكثيف الموثق لتجارة الأصوات هي ، أيضا، ظرف قاهر، يوجب تأجيل الانتخابات العامة.
رابعا، وبالنظر إلى انفلات الحملة الانتخابية من الضوابط السياسية والقانونية، ظهرت فيها تيارات نشاز تهدد الوحدة الوطنية ، مما لا يمكن السماح به بحجة حرية الدعاية الانتخابية. وسيكون لتجاهل اتخاذ موقف من تلك التيارات، وقدرة ممثليها على الفوز بمقاعد نيابية بفضل مناقلات الأصوات واستشراء تجارة الذمم والتحشيد العصبوي، آثار ضارة بالأمن الوطني ، ما يستوجب استخدام المادة 73 من دون تأخير.
خامسا، بالنظر إلى كل ما سبق ، فهناك امكانية خصبة لوقوع مشكلات أمنية، لا سمح الله، في يوم الانتخاب ، خصوصا بين الناخبين المنقولين من دوائر أخرى وأبناء الدوائر الأصليين، وأنصار مرشحي المال ومرشحي المجتمعات المحلية ، وبين الأجنحة العشائرية المتصارعة. وهو ما يوجب التحوط له بمنع وقوعه أصلا. أي من خلال تأجيل الانتخابات العامة.
ومن المأمول أن يتم هذا التأجيل لمدة سنة واحدة، يجري خلالها اصلاح القانون الانتخابي، و الزام الناخبين ، من دون تمييز، على التسجيل في الدوائر التي يقطنونها حصرا، وتغليظ العقوبات القانونية على الاتجار بالأصوات ، وإلغاء كافة الامتيازات الوظيفية والمالية والامتيازات الأخرى الممنوحة للنواب، وتحديد سقف الانفاق في الحملة الانتخابية، وتحديث وسائل ضمان النزاهة والحيدة الحكومية.
إن تأجيل الانتخابات النيابية الآن سوف ينزل سمنا وعسلا على قلوب المجتمع الأردني، ولسوف يستقبل ، إذا كان مرتبطا بدواعي إصلاح النظام الانتخابي، بتأييد كاسح من قبل المواطنين والقوى الاجتماعية الحية.