تتيح مواقع الاتصال الجماعي والمواقع الإخبارية الألكترونية وبرامج البث المباشر في الفضائيات والإذاعات, لجمهور واسع, فرصة التدخل في النقاش العام, ذلك الذي كان محصورا بالسياسيين والكتّاب المعترَف بهم.
لهذه الظاهرة إيجابيات أهمها توسيع نطاق المشاركة الشعبية في الحوار, وتعزيز مصادر تكوين الرأي العام, وتلمّس حساسيات عاطفية وفكرية وسياسية متعددة, وتعيين الإتجاهات, وأحيانا, الحصول على أفكار طازجة ومقاربات غير معتادة في الكتابة المكرّسة.
أمس الأول, استعنتُ بقرّائي للإجابة على سؤال يحيّرني. وهو : ‘ مَن يحكم, وماذا يريد?’. وقد حصلتُ, من موقع ‘ العرب اليوم’ ومواقع أخرى ومن بريدي الشخصي, على إجابات عميقة وجريئة ومقنعة أرسلها القراء, ويقترب بعضها من تحليل أظنه يطابق الوضع الأردني.ورغم أنني ما أزال أبحث عن آليات الحكم والقرار في البلد, فقد أفدتُ من قرائي ربما بأكثر مما أفادوا مني.
وربما يكون على الكاتب الصحافي, من الآن وصاعدا, أن يتواضع, مكتفيا بدور إقتراح قضيّة النقاش وعرض معطياتها وإبراز جوانبها المختلفة وإبداء وجهة نظره فيها, بينما يترك, للنقاش نفسه, أن يبلور الإطار الأكثر مطابقة لمقاربة القضية.
لكن ذلك يقتضي من المعلّقين شيئا من الموضوعية وشيئا من التواضع أيضا. ومن الموضوعية, الكفّ عن السعي لقراءة ضمير الكاتب و’الكشف’ عن نواياه الخبيئة والتعرّض لشخصه وحتى تجريحه. فالكاتب الصحافي لا يخطب من قارئه عروسا ولا يطلب منهم الإقتراع له في الإنتخابات ولا يلزّه إلى الإنتساب إلى حزبه; إنما هو يقدّم حزمة من المعطيات والرؤية والرأي. ومن التواضع ألا يذهب المعلّق إلى التشكيك بالمعطيات. فرأسمال الكاتب المحترف لا يكمن في رؤيته ورأيه, بل في معطياته. وليس بالضرورة أن تكون هذه المعطيات صحيحة دائما, ولكنها, في معظم الأحيان بالنسبة للكاتب الجاد, نتيجة شُغل ومتابعة وشبكة مصادر وقدرة على توليف كل ذلك في نص. وهذا هو ما يجعل الكاتب كاتبا والقارىء قارئا. فالفارق ليس في الذكاء, وإنما في المهنة. إن مهنتي ككاتب تفرض عليّ, ولا تفرض على القارىء, أن أتابع وأتحرّى وأدرس معطياتي. وهذا هو العمل الذي يتقاضى الكاتب, على القيام به, أجرا. ومن المفروض أن يقوم بعمله, إذاً, بصورة جدية. ومن المعروف أنه إذا تكرر الخطأ وانعدمت الدقة في المعطيات, فإن الرأي العام يعاقب الكاتب بإهماله. ثم تأتي الرؤية. والكاتب الصحافي ليس ملزما برؤية محددة جامعة. وربما كان عدم الإلتزام ذاك هو الأصل في المهنة, لكن هنالك مدرسة مهنية ملتزمة. وليس من حق القارىء ولا سواه, أن يعيب على الكاتب, رؤيته, لكن من حقّ الجميع أن يفنّدوا أراءهم أو يعدّلوا عليها أو يقبلوها بتحفّظ.. الخ.
ومن سلبيات المعلقين, عدم ذكر الإسم الصريح مما يتيح للمعني, الإساءة أو عدم الجدية أو الشجاعة المجانية. أما الأخطاء اللغوية والإملائية فحدّث ولا حرج.
وأختم بأن العديد من الكتّاب الألكترونيين هم, في الحقيقة, معلّقون يظنّون أنهم ينتجون نصوصا, ولكنهم يكتبون آراءهم. وهذا حقهم بالطبع. لكن من حقنا عليهم , كقرّاء, أن يبذلوا بعض الجهد في تكوين مادة الكتابة, وفي سلامة اللغة وجودة النص.
العرب اليوم