ناهض حتّر
اذا ألحت الحكومتان، الاردنية والفلسطينية، على عدم التفاهم وطيّ الصفحة الامنية، فانهما، كلتاهما، سوف تخسران، اولاً في مواجهة الخطة التوسعية الاسرائىلية، وثانياً على المستوى الداخلي.
لقد ألححنا، مراراً، أن القضم الاسرائيلي لمعظم اراضي الضفة الغربية، وراء الجدار الاستيطاني الاغتصابي، يعرقل، جدياً وواقعياً، قيام الدولة الفلسطينية. وستكون «حماس» محشورة في كانتون غزة وكانتونات الضفة، مضطرة تحت ظروف دولية واقليمية صعبة، الى مجرد القيام بدور الادارة البلديّة المحلية للفقر والتهميش والانهيار.
وفي هذه الحالة، فان كل الشعارات الحماسّية لن يكون لها معنى او صدقية، بينما تعرقل جغرافيا المقاومة، وموازين القوى على الارض، امكانية القيام بكفاح مسلح ذي مغزى ضد الاسرائىليين، اللهم، العمليات التفجيرية ضد مدنيين داخل اراضي ال¯ 48 . وهذه اصبحت تكلف الشعب الفلسطيني، اضعافاً مضاعفة، جدواها النضالية، عداك عن السجال على اخلاقيتها.
الحكومة الاردنية ستواجه بدورها، ازمة ترانسفير واقعي كثيف للطبقات الوسطى الفلسطينية من شأنها ان تضع الاردن، فعليا، امام استحقاقات الوطن البديل.
على المستوى الداخلي، تخسر الحكومة الفلسطينية «الحماسية» بالقطيعة مع الاردن، جزءاً من قوتها لصالح الرئاسة الفلسطينية الفتحاوية – المهتمة، بالطبع، بادامة بالقطيعة بين عمان وحماس، وصبّ الزيت على النار.
في الاردن، تؤثر بالقطيعة مع الحكومة الحماسية، والحملات الاعلامية المتبادلة، جدياً، على شعبية السياسات الرسمية في شتى المجالات. فالاغلبية الساحقة من الاردنيين – وليس الاردنيون من اصل فلسطيني فقط – لها موقف ايجابي من «حماس».
ولا يعود ذلك، فقط، لتاريخها الجهادي في فلسطين، بل ايضاً الى تاريخها الايجابي في العلاقة مع الشعب الاردني. فلم يحدث، قط، اي صراع امني او سياسي بين الاردنيين و «حماس» ولقد التزم الحماسيون، دائماً على مختلف المستويات، الخطاب الدافيء والودي والاخوي ازاء الشعب الاردني، منوهين دائماً، «بالقوى الوطنية والعشائر» بالاضافة الى انهم، اثناء اقامتهم الطويلة، قد طوّروا علاقات سياسية وشخصيّة مع عدد كبير من الشخصيات الاردنية. واظهروا دائما احترامهم للوطنية الاردنية وكيان المملكة، وألحوا دائماً، على حق العودة للاجئين.
نحن، بالطبع، لا نلوم الجانب الرسمي الاردني، وحده، فعلى «حماس» ان تضبط خطباها ايضاً، وتبادر، بصورة جدية، الى التفاهم الامني مع الحكومة الاردنية، لكن المطلوب منها، بصورة رئيسية، اعلان برنامجها السياسي في العلاقة الاردنية – الفلسطينية. وبصورة خاصة، عليها ان تجيب على الاسئلة الرئيسية التالية:
«1» هل ترى «حماس» انه من حقها استخدام الاراضي الاردنية لتهريب السلاح الى فلسطين؟ فاذا كانت ترى ان ذلك من حقها، كما يقول خالد مشعل، فان ذلك يظل مرهوناً بالتفاهم والتنسيق مع الحكومة الاردنية صاحبة السيادة على الاراضي الاردنية.
وبالمقابل اذا اعلنت «حماس» انها تلتزم بعدم تهريب اسلحة عبر الاردن، تصبح مطالبة الحكومة الاردنية بخرائط المخابىء وسوى ذلك من التفصيلات الامنية مسألة يجري بحثها في الكواليس الامنية، وليس على المستوى السياسي والاعلامي.
«2» هل توافق «حماس» على فك الارتباط؟ ينبغي اعلان ذلك. وبالعكس: ينبغي اعلان سياسة صريحة تطالب بالعودة الى صيغة المملكة المتحدة. وفي هذه الحالة، فان المعادلات السياسية كلها سوف يتم طرحها في سياق جديد تماماً.
«3» «تحرير فلسطين من البحر الى النهر» يظل، بالطبع، شعاراً جميلاً ولكن المهمة المطروحة الآن، فعلياً، هي اسقاط الجدار الاستيطاني. فما هي خطة «حماس» بهذا الشأن؟ هل تقبل بقرار الشرعية الدولية «محكمة العدل الدولية» كأساس للنضال – على كل المستويات – ضد الجدار الاستيطاني؟ هذا القبول اساسي من اجل حملة مضادة للتوسعية الاسرائىلية. ولا يمكن، بطبيعة الحال، تجزئة قرارات الشرعية الدولية التي لا مناص لحكومة فلسطينية مسؤولة من القبول بها.
«5» لقد كنّا – مع الحكومة الفتحاوية – امام معضلة تتمثل في ان اعضاء هذه الحكومة لا يملكون الارادة السياسّية للنضال من اجل برنامجهم السياسي الواقعي.. ثم اننا نواجه الآن، معضلة اخرى مع الحماسيين المتمتعين بالدعم الشعبي الفلسطيني ولكنهم لا يملكون برنامجاً سياسياً!!
هذه هي القضايا التي ينبغي على الحكومة الاردنية ان تطرحها كأجندة للحوار مع «حماس» وهي – اي الحكومة الاردنية – ستلقى، عندها، التأييد الداخلي والعربي في دفاعاها المشروع عن المصالح الاردنية .. اما الادارة الحالية للازمة، فهي جزئية وضعيفة…