ناهض حتّر
نقل الينا شهود ثقات قدموا، مؤخرا، من المناطق الغربية في العراق، ملاحظات ميدانية عما يمكن وصفه بأنه حالة من التساكن بين الجماعات التابعة “للقاعدة” وقوات الاحتلال الامريكي.
ولمَ لا؟
ان مسلحي “القاعدة” يتولون منذ اشهر، نيابة عن الامريكيين، مهمة تصفية قيادات المقاومة العراقية، والاشتباك مع منظماتها، وارهاب المجتمع المقاوم بالتفجيرات الانتحارية والغازات، وشق صفوف العشائر، في نطاق حملة لتحطيم الكتلة السنية، واخضاعها لما يسمى “دولة العراق الاسلامية”.
وهذا التواطؤ الميداني ينطلق من تقاطع المصالح السياسية الواقعية، فمشروع “دولة القاعدة” ذاك ليس اسلاميا. انه من حيث مضمونه وحدوده، مشروع مذهبي تقسيمي، يرمي الى انفصال المحافظات “السنية” في كيان “مستقل” باشر فعلا وسوف يواصل “تطهير” المحافظات المختلطة، بالقتل الجماعي والتهجير القسري للشيعة.
“القاعدة في بلاد الرافدين” اداة رئيسية للحرب الاهلية، ونشاطها يندرج، كليا، في سياق الخطة الامريكية لتدمير المجتمع العراقي، وتمزيق العراق العربي الى كيانين متحاربين، يخضع كل منهما الى سيطرة استبدادية لتنظيم مذهبي رجعي-وربما يتحول الامريكيون بينهما الى حَكَم يضمن هيمنته على كونفدرالية فضفاضة، ولكنها تتيح للقواعد العسكرية الامريكية، البقاء على ارض العراق، وتفتح الباب امام اتفاقات مع قوى الامر الواقع، تمكن الشركات الامريكية من نهب النفط العراقي.
ما نشهده وسنشهده في المرحلة المقبلة في المحافظات الغربية من العراق، هو احتدام الصراع بين “القاعدة” وبين منظمات المقاومة العراقية-التي ترفض مبايعة ما يسمى “دولة العراق الاسلامية”-مثل “الجيش الاسلامي” و “كتائب ثورة العشرين” و “جيش المجاهدين”.
التواطؤ الميداني بين “القاعدة” والاحتلال، اثمر فعلا حتى الان، نتائج سلبية للغاية على نضال الشعب العراقي، تمثلت اولا، في توجيه ضربات مؤلمة لمنظمات وامكانيات المقاومة، وثانيا، في اضطرار الاخيرة وقواعدها العشائرية، الى الشروع في مفاوضات وتفاهمات مع حكومة “المنطقة الخضراء”.
ومع ذلك، اصبحت المهمة رقم “1” للمقاومة العراقية الان، هي الحاق الهزيمة السياسية والعسكرية “بالقاعدة”، واستئصالها، دفاعا عن حياة وحرية المجتمع المحلي المقاوم، ومن اجل ازاحة قوة انفصالية من امام وحدة وتحرير العراق.
وربما يستفيد الامريكيون-والحكومة التابعة لهم-من هذا الصراع، ولكن مؤقتا فقط. فالتفاعلات الناجمة عنه سوف تقود، على الارجح، الى صعود النزعة الوطنية العراقية لدى المقاومين، وتمكينهم من تجاوز التعصب الديني المذهبي-البعيد، اصلا، عن روح المجتمع العراقي.
هناك انباء عن ان منظمات المقاومة قد بدأت بالفعل، حوارا لتوحيد صفوفها ضد “القاعدة”، وسوف ينعكس ذلك، في النهاية، على الاداء المقاوم، عسكريا والاهم سياسيا باتجاه الانتقال الى صيغة سياسية مدنية تسمح بملاقاة الشيعة الوطنيين في جبهة عراقية واحدة، قادرة على استعادة وحدة المجتمع العراقي، في مواجهة المحتلين وعملائهم.
لقد غدا تحرير العراق، مرتبطا بقدرة العرب السنة على طرد “القاعدة”، وقدرة العرب الشيعة على طرد التدخل الايراني-وميليشياته المذهبية الانفصالية-ولن يستطيع الطرفان انجاز تينك المهمتين، الا اذا تذكرا انهما طرف واحد، عمود العراق العربي، القادر، حتما، على دحر الاحتلال، واعادة بناء البلد الحبيب.
“القاعدة” والاحتلال: تواطؤ ميداني
Posted in Uncategorized.