ناهض حتّر
الى وقت قريب، كنت احسب ان ما يجمع الاستعمار الامريكي مع تنظيم “القاعدة” هو تقاطع مصالح، يستند الى التماثل في عقلية الطرفين، الاقصائية المدججة بعقيدة صراع الاديان والحضارات، وسيكولوجيا الاجرام.
ما يزال ذلك، بالطبع، اساسياً. فكلا”العدوين”، يبرر احدهما الآخر، وخطاب “المحافظين الجدد” يتغذى على خطاب “القاعدة” وبالعكس، وكل منهما يمنح الآخر، القدرة على التحشيد.
الا انني بتّ أشكّ، ايضاً، في امكانية وجود صلة تنسيق او اختراق، خصوصا بين الاحتلال الامريكي وتنظيم “القاعدة” في بلاد الرافدين. فمن اللافت للنظر انه مع بدء تطبيق خطة بوش الصغير الامنية الجديدة في العراق، بدأ انصار “القاعدة” بشنّ سلسلة من الهجمات والاغتيالات ضد عناصر وقيادات المقاومة العراقية. وابرز هذه الهجمات، اعلاميا، تفجير مسجد الحبانية الذي آودى بحياة قادة كبار من ” الجيش الاسلامي” و “جيش المجاهدين” و “انصار السنة”، بينما كشفت مصادر متطابقة، تصاعد محاولات “القاعدة” للسيطرة، بالعنف الاجرامي، على المناطق السنية في سياق مشروع اقامة “دولة العراق الاسلامية” فيها. وهو ما يشكّل الحلقة الثالثة في خطة تقسيم العراق الى “شيعستان” بامارة آل الحكيم، و”سنستان” بامارة “القاعدة” و “كردستان” -المنفصل واقعياً منذ العام 1991 .
لا بد من الاشارة، هنا، الى ا ن الجديد في خطة بوش الصغير العراقية هو سعيها الى انهاء تعدد القوى والمليشيات في “شيعستان” وهو ما تنفذه “القاعدة” في “سنستان” ايضاً.
وتشكل “القاعدة” – بالنظر الى ما تملكه من معلومات، ومن حضور ميداني وقتالي متشابك في مناطق المقاومة العراقية – خطراً كبيراً على منظمات الاخيرة وقياداتها. وهو يتجاوز – بما لا يُقاس – خطر القوّة الامريكية “العمياء”. الامر الذي يرجح، عندي، ان الامريكيين سوف يتركون مهمة استنزاف المقاومة – تواطؤاً او اتفاقاً؟! – لمقاتلي ” القاعدة”.
وكخلفية، علينا ان نتذكر، بايجاز، الدور المشؤوم “للقاعدة” في مسار التطورات العراقية: “1” فبقدراتها المالية الضخمة – من مصادر عربية وايرانية معا! – استطاعت “القاعدة” ان تنمو على حساب منظمات “المقاومة”، وتبث ايديولوجيتها التكفيرية التقسيمية على حساب الوعي الاسلامي الوطني في المناطق السنية “2” وبإلحاحها على تحويل “الفلوجة” الى معسكر مكشوف، تسببت “القاعدة” بمجزرة، رهيبة للمدينة البطلة “3” وبتأكيدها ونشرها خطاباً معادياً للشيعة، عملت “القاعدة” على تمزيق عرى التفاهم والتواصل بين “المقاومة” و”التيار الصدري” وهما اللذان خاضا معاً معارك نيسان 2004 ضد الاحتلال وعملائه “4” ومذ ذاك، شنت “القاعدة” بمثابرة، سلسلة هجمات اجرامية ضد المدنيين الشيعة، ادت الى تنامي الهوة المذهبيّة واستولدت افكارا ومناخات وعمليات اجرامية مضادة، انحط، التيار الصدري في سياقها الى عصابات للسلب والقتل والتعذيب والتهجير المذهبي.
“5” وكانت “القاعدة” هي التي افتتحت الحرب الاهلية بتفجيرها مقاماً مقدساً لدى الشيعة في سامراء في شباط 2006 .
ان قدرة المقاومة العراقية على عزل وشطب “القاعدة”، هو احد شروط انتصارها، غير ان ذلك غير ممكن قبل تحرير العقول من الايديولوجية التكفيرية، والتعاون مع الوطنيين الشيعة، من اجل توحيد المقاومة في كل انحاء العراق، وتمكين الشعب العراقي من مواجهة الاحتلال وقوى التقسيم والموت، والتدخلات الاقليمية.
“القاعدة” في مواجهة المقاومة
Posted in Uncategorized.