العقد الضائع (2-2)

ناهض حتّر
قلنا، امس، ان السنوات العشر 97-،2007 كانت عقداً ضائعاً، بالنظر الى (1) محدودية النمو (2) وزيف هذا النمو الذي لم يقم على زيادة الانتاج في السلع والخدمات (3) ولم ينعكس، بالتالي – على انخفاض معدل البطالة والفقر – والمستوردات بالنسبة للصادرات، بحيث كانت النتيجة كارثية حقاً، المزيد من البطالة، والمزيد من الفقراء والمزيد من العجز التجاري، بينما ظل الاقتصاد الوطني اسيراً للمديونية العامة التي تثقل الموازنة العامة، وتدفع الحكومة الى تلافي الدعم، والتشدد الضريبي، واستنزاف الطبقة الوسطى، في ظل زيادة معدل التضخم بالارقام الرسمية المباشرة – من 3.1 بالمئة – العام 1998 – الى 6 بالمئة – العام .2006
على الرغم من الضجيج الذي صم الآذان، طوال العقد، من شعارات كبيرة وخلوات وعروض حاسوبية، فإن الاقتصاد الاردني فشل في تحقيق اختراق اقتصادي، كمي او نوعي، يقطر البلد نحو التحديث والمنافسة في تصدير السلع والخدمات.
وباعتقادنا ان اختراقاً كذلك كان – وما يزال – ممكنا في عدة حقول منها (1) الزراعة النوعية العضوية والصناعات الغذائية الخاضعة للمعايير الصديقة للبيئة (2) والصناعات الدوائية القادرة على النسخ والتطوير (3) وصناعة الالبسة ذات الجودة العالية، (4) والخدمات الطبية (5) والاكاديمية (6) والمعلوماتية، (7) تطوير صناعات نوعية من الفوسفات واملاح البحر الميت.

وللاردن ميزات في كل هذه الحقول، كان – وما يزال – من الممكن تنظيمها في اطار خطة وطنية تقوم على التعاضد الداخلي العضوي بين القطاعات الانتاجية والخدمية، وعلى الحماية الجمركية، والرعاية، وتحسين النوعية وزيادة الانتاجية، وتلافي الخضوع – مثلاً – لاتفاقية حماية الملكية الفكرية، لمساعدة قطاع المعلوماتية على النسخ والتطوير، وخدمة القطاعات الاخرى، واخيراً تخفيف الاعباء الضريبية عن الفئات الوسطى، وحشرها في سلسلة من الاستثمارات المباشرة الرديفة.
لكن ما حصل، تحت قيادة الليبراليين الجدد، هو عكس ذلك تماما: انعدام الخطة الوطنية، وتفكيك الترابط بين القطاعات الاقتصادية المحلية، وربطها فرادى بالخارج وشطب كل انواع الحماية الجمركية او الرعاية اوتسليع الاراضي الزراعية، وتدمير الزراعات البلدية وتقاليد الصناعات الغذائية البيتية، واضعاف القطاع العام وشله عن القيام بعملية التنظيم والرقابة، وشيوع الفوضى والفساد الكبير، والخضوع للاتفاقيات الدولية التي تضمن سيطرة الرأسمال العالمي على السوق الاردنية، وتقديم الدعم السياسي (للمستثمرين) الاجانب وشركائهم المحليين للاستعلاء على القانون، وتحرير السوق في انفلات كامل، واخيرا وليس اخرا استنزاف القطاعات الوسطى وافقارها ومنعها -بالتالي- من الاستثمار المباشر المتعاضد مع محاور اقتصادية رئيسية.
وخلال العقد الضائع، جرى تحطيم القطاع العام بالخصخصة اللامسؤولة وتبديد عوائدها من دون التوصل الى حل ولو جزئي لمشكلة المديونية العامة او تدوير تلك العوائد في استثمارات حكومية جديدة. فالقطاع العام ممنوع ومذموم.
وكانت النتيجة ان الربح الفائت على الخزينة، جراء خصخصة مؤسسات رابحة وجراء التسهيلات للمستثمرين في الحقول الرابحة، تجاوز المساعدات الخارجية، بينما تزايد اسهام الفئات الوسطى والفقراء في تمويل الموازنة بالضرائب المباشرة وغير المباشرة.
وسط هذه الفوضى الاقتصادية (الخلاقة)! تراجعت الفرص التنموية الحقيقية الاردنية في انتاج السلع والخدمات، بينما تزايد الطلب- تحت تأثير العوامل السياسية الاقليمية- على الاراضي، وتصاعدت الاستثمارات العقارية- وهي محدودة التأثير على تشغيل الاردنيين- وعدنا الى اولوية تصدير العقول والكفاءات، واستدراج التحويلات.
هذه العملية من التحولات الاقتصادية، والاجتماعية استفادت منها الاقلية بينما انهارت الفئات الوسطى او تكاد ووقعت اغلبية الاردنيين في وهدة الفقر.
ان بيع الاصول- الاراضي- وانشاء العقارات للمهاجرين وتصدير الكفاءات ليست عناوين للنهضة، بل للتخلف والفشل وهو ما يتحمل الليبراليون الجدد، المسؤولية عنها بالكامل. وقد آن الاوان كي يذهب هؤلاء الى بيوتهم، او الى وظائف اقليمية ودولية تليق بعبقرياتهم.

Posted in Uncategorized.