العرب المسيحيون هم أيضاً ضحايا العنصرية الغربية

ناهض حتّر
كتبت، السبت الماضي، هنا، تحليلاً ضافياً حول الآراء المنحازة للبابا بنديكيت السادس عشر ضد الاسلام. واكرر، ثانية بانه ليس لديّ اعتراض على نبذ «الحروب المقدسة» باعتبارها لا عقلانية. ولكن ذلك ينطبق على المجرمين الاستعماريين في الولايات المتحدة واسرائيل، وليس على الضحايا من العرب والمسلمين، وجهادهم الذي هو مقاومة ضد الاستعمار والاستبداد والاستغلال.

وهذا التكرار ضروري من أجل النقاش التالي: لقد طرح عليّ عدة أصدقاء فكرة اصدار بيان توقعه شخصيات مسيحية لاستنكار تصريحات البابا المسيئة للاسلام. ولا أنكر ان هذه الفكرة راودتني بعض الوقت، لكنني وجدتها خاطئة فهذا البيان يجب ان يصدر، بالطبع، ولكن من شخصيات أردنية بغض النظر عن الدين.

فنحن، أبناء العشائر الاردنية العربية المسيحية، اردنيون عرب اولاً، ومسيحيون ثانياً. ولطالما كان ولاؤنا – وسيظل – للأردن وللعرب قبل أي التزام آخر. ولذلك فليس لدينا ما نقوله كمسيحيين إزاء اساءات البابا للاسلام.

ان هذه الاساءات موجهة الى شعبنا وأمتنا وثقافتنا. ونحن في صلب هذا الشعب، وهذه الأمة، وهذه الثقافة. ويظل البابا بالنسبة إلينا – محترماً كرجل دين، طالما انه يحترم شعبنا وأمتنا وثقافتنا. وليست بيننا وبينه – أو بين أي مسيحي غير عربي – صلات خاصة أكثر من الصلات التي تجمع العرب والمسلمين، بالحضارات الاخرى.

وربما كانت هذه مناسبة للتذكير بان عملية التعريب التاريخية، أو قل: نشأة وانتصار القومية العربية في التاريخ، قد مرت بمرحلتين، الأولى ارتبطت بالمسيحية التي كان انتشارها بين العرب – في القبة البيزنطية – محفزاً لبروز الذات القومية العربية في الشام والعراق، والثانية هي التي ارتبطت بالاسلام الذي فجّر ثورة التعريب في نطاقها الحيوي من المحيط الى الخليج.

المسيحية العربية والاسلام العربي هما، إذن مكوّنا العروبة. وحضورهما معاً، في التكوين القومي العربي، هو الذي يمنح هذا التكوين ميزاته الحضارية إزاء الأمم الأخرى، بغض النظر عن أديانها.

بالنسبة للعرب المسيحيين، فان محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان. وسيظل، الرسول الرمز والمنارة.. وكل تجريح بشخصه الكريم ومكانته العظيمة، هو تجريح بالعرب المسيحيين، تماماً مثلما هو تجريح بالعرب المسلمين.

وحول صلب القضية المطروحة، لا بد من اعادة التأكيد، مرة تلو المرة، ان العقلانية الحديثة كلها تستند، بالأساس، الى ابن رشد والرشدية – وهي خلاصة الحضارة الاسلامية – وفيها ذروة التطابق بين الارادة الالهية والعقلانية. واذا لم تكن التقاليد الرشدية هي السائدة في عالمنا العربي والاسلامي، اليوم، فلأن النهضة العربية الاسلامية الحديثة، قد جرى قمعها بالحديد والنار على أيدي الاستعمار الغربي الذي رفع – وما يزال – راية الظلاميّة والعنصرية واللاعقلانية. ومثلما قلنا – غير مرة – فهذا بوش الصغير يدّعي بأنه يجسّد ارادة الله في غزوه الآثم للعراق.. وها هي اسرائيل تدعي بان كيانها وحروبها الاجرامية، هي تحقيق نبوءات عفا عليها الزمن.

«الجهاد» – عند العرب والمسلمين اليوم – هو مقاومة مشروعة ضد العدوان الاستعماري الامريكي – الصهيوني. وتحت راية الجهاد، قاتل ويقاتل – بالسيف والقلم – آلاف وآلاف المجاهدين المسيحيين الذين طعنهم البابا بنديكيت السادس عشر، في ظهورهم. وليس هذا بجديد. فدماء العرب المسيحيين التي أسالها الفرنجة في القدس وبلاد الشام، بغطاء ديني من البابوية – وحروبها المقدسة – ما تزال تنادي – حتى اليوم – صلاح الدين.

Posted in Uncategorized.