ناهض حتّر
في حوار أجراه “الملف” مع أحد كبار المثقفين العراقيين، حسن العلوي، إضاءات نابهة، ومقاربات جديدة للمأساة العراقية.
حسن العلوي أكبر من أن يتحدد بالانتماء المذهبي – لكنه شيعي – وكان بعثيا ثم انشق عن الحزب، وقدم مساهمات نقدية موزونة في نقد نظام الرئيس صدام حسين، من دون أن ينضم للقوى «المعارضة» التي قدمت الدعم للمشروع الامريكي في العراق.
حسن العلوي ليس متفائلا بوقف التذابح المذهبي في العراق، قبل ان تفرغ شحنة قانون الانتقام المتبادل. وعندها سيكون «التسامح ابن الخوف وليس ابن الرحمة».
يرفض العلوي «نظرية الموت» من حيث المبدأ. وكان ذلك أساس معارضته للنظام السابق الذي «ألغى التدرج الجزائي في العقوبة». وأتبع الموت «نظرية عمل يفرض على مخالفات وجنح لا يستحق مرتكبوها سوى الحبس البسيط لبضعة اشهر.»، واستمرارا لنهجه الفكري المعادي للقتل، اطلاقا، فقد كره العلوي اعدام الرئيس صدام.
يقول العلوي: «الاعدام هو آخر عمل مؤسسي للدولة العراقية سيتوفر لمحظوظ من بين الاسماء الحاكمة في العراق الآن… هؤلاء سيموتون في الشارع، سحلا وذبحا…»
ويرفض العلوي اعتبار العرب السنة في العراق «أقلية» لانهم «مؤسسو الدولة وقد اداروا السلطة 80 عاما، دون ان يشعر المواطن ان حاكمه سني…» ويلاحظ ان العنف التكفيري ليس جزءاً من تقاليد سنة العراق بل هو وافد عليهم.
يقترح العلوي تجديد الشعار – الذي رفعه العرب السنّة في العشرينات – وهو «العراق للعراقيين»، وتنظيم حل للمعضلة العراقية على طريقة جنوب افريقيا، تقوم على الاعتراف بأخطاء الماضي والعفو والمصالحة. فلا يُضار احد ولا يخسر احد في العراق الجديد.
ويتضمن هذا الكلام ثلاث مقاربات خلاقة:
-1- فشعار «العراق للعراقيين» يصلح الآن، تماما، في مواجهة الاحتلال والتدخلات الاقليمية – الايرانية والعربية – معا.
وشعار «العراق للعراقيين» يخلق سياقا لانطلاق وطنية عراقية قادرة على تجاوز الانتماءات المذهبية والاثنية والتي تستعر بالامتدادات والاجندات الاقليمية. وهو يحرر العرب السنة من التأثير التكفيري والقومي ويحرر الشيعة من التأثير الايراني، كما انه يفتح بابا عريضا للاندماج الكردي.
العراق وثرواته ونفطه للعراقيين – وليس للشركات الامريكية والغربية او للاطماع الايرانية او لائتلافات اللصوص والفاسدين. وبطبيعة الحال: العراق لابنائه وليس للمحتلين.
-2- ونبذ الاحصاءات العددية في العلاقات الوطنية، مقدمة لا بد منها للمشاركة والتفاهم والانصهار .. ليس فقط لان «الاقليات» الديمغرافية لها، في التاريخ العياني، اوزان نوعية، تتحول – اذا ما تم تجاهلها – الى قنابل تهدد الكيانات .. بل، ايضا وبالاساس، لان المدخل الاحصائي الكمي يمنع المواطنة، ويحول دون الاندماج ويقيم منطق التغلب والقسر.
-3- أخيرا، فان احتذاء العراقيين بالانموذج الجنوب افريقي، من شأنه أن يكسر دائرة الانتقام وطاحونة الدم، بالتسامح والمصالحة.
لكن التسامح غير ممكن من دون كشف الحقيقة، ونقد التجربة، للحيلولة دون تكرارها من هذا الطرف او ذاك، مثلما ان كشف الحقيقة يكون مقدمة اجرامية اذا ما اقترن بالانتقام.
وسط الخراب وشلالات الدم، ليس امام العراقيين سوى التوصل الى اجماع وطني على مراجعة التجربة التاريخية للدولة العراقية خلال 85 عاما، تمهيدا لاعادة تأسيسها وفق مرجعية مشتركة.