ناهض حتّر
تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول الغاء المليشيات، وتولي العراقيين للسؤوليات الامنية مع نهاية العام، وجدولة انسحاب المحتلين، هي تصريحات مثيرة حقا. فكأن الازمة العراقية تسير نحو الحل! ولكن، مهلا، ان حل المليشيات لا يتم الا بقرارات سياسية جادة من الاحزاب التي انشأتها، وحل المليشيات، في الاخير، هو غير «استيعابها» في الجيش والشرطة، ففي هذه الحالة، فان المليشيات سوف تبقى بلباس رسمي وبتمويل خزينة الدولة! وستكون جاهزة، بصورة اكثر قوة، للانغماس في الحرب الاهلية المحتملة.
اما نقل المسؤوليات الامنية الى الاجهزة العراقية، فهو ما يريده المحتلون، بالضبط، من حيث ان هذا الترتيب يخفض تكاليف قوات الاحتلال، بشرياً وماليا،ً دون ان يؤثر على سيطرة المحتلين على القرار السياسي، والاقتصادي، ومن شأنه، اذا نجح، ان يضمن للولايات المتحدة وبريطانيا، سحب معظم القوات من دون خسائر سياسية في البلد، بل على العكس تماما. ان المحتلين تواقون الى الحفاظ على نفوذهم بأقل جهد عسكري ممكن. وهو ما سيهديء غضب المواطنين الامريكيين والبريطانيين، على وجود قواتهم في مستنقع الموت العراقي.
وعلى كل حال، فان هذه الخطة المتفائلة محكوم عليها، بالفشل، مثلها مثل الخطط الامريكية المتتابعة منذ غزو العراق في ربيع .2003 وسيكتشف رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، قريبا جدا، انه ذهب في التفاؤل ابعد من اللازم، وانه لا يستطيع، بعد، ان يتنفس الصعداء، فالقوى التي ائتلفت في حكومة المالكي لا تمثل الاتجاهات المتحكمة بالصراع في العراق او انها لا تملك قرارها السياسي.
داخل الحكومة العراقية، سوف نجد اننا امام تفاهم هش بين الاكراد المصممين على انفصال كامل يشتمل على كركوك في اطار «وحدة» عراقية مهلهلة. وهو ما يرفضه، في الواقع، جميع العرب العراقيين على اختلاف مشاربهم وارتباطاتهم ومواقفهم.
كذلك، من الصعب القول ان المشاركة السنّية في حكومة المالكي، تستنفد التمثيل السنّي، لا على مستوى الشارع ولا على مستوى فصائل المقاومة التي اعلنت، صراحة، انها ترفض المفاوضات مع المحتلين – على رغم من نصائح «الاخوان المسلمين» العلنية – مثلما تؤكد ان احدا من المشاركين في «العملية السياسية» لا يمثلها. وعلينا ان لا ننسى ان الجهة الاكثر احتراما وثقلا بين العرب السنّة، اي هيئة العلماء المسلمين، ما تزال تقاطع تلك العملية برمتها. واخيرا، هناك حقيقة ان تنظيم «القاعدة» يسيطر بدوره على قسم من المجتمع العربي السني في العراق.
وبالنسبة للائتلاف الشيعي، علينا ان ننظر، بدقة، الى استحقاقات الارتباط مع طهران، ونستعيد باستمرار، الخلافات التناحرية بين اتجاه «المجلس الاعلى – الحكيم» وبين التيار الصدري الذي يلح على انسحاب كامل وسريع للقوات الامريكية والبريطانية.
الى ذلك، فان التطورات الاخيرة الحاصلة في «المناطق الشيعية» اضافت اتجاها جديدا مستقلا عن ايران، بل هو مناوىء لها، وهذا الاتجاه المتمثل في ولادة منظمات مقاومة جديدة من ابناء العشائر العربية وكادرات الجيش العراقي السابق، مرشح للنمو كقوة رئيسية في الاشهر القادمة.
فاذا اخذنا كل ذلك بعين الاعتبار، فانه يصعب القول ان حكومة نوري المالكي سيكون بامكانها ان تمد يديها ابعد من المنطقة الخضراء، وستظل الازمة مستمرة طالما بقي المحتلون على الارض العراقية. فوجود الاحتلال البغيض ينزع الشرعية من أية هيئة برلمانية او حكومية او رئاسية او عسكرية او شرطية، ويطلق العنان امام تدخل القوة الاقليمية، ويخلق السياق الملائم لاصطراع الطوائف، والاثنيات والمصالح والتيارات.
وهكذا، فان البند الاول في وصفه حل الازمة العراقية، يظل – مثلما كان منذ 2003 – هو الانسحاب الامريكي – البريطاني الشامل الكامل في اطار جدول زمني معلن لا يزيد عن ستة اشهر، تتم، خلالها، المصالحة الداخلية واحياء الجيش العراقي السابق، في ظل تفاهم عربي – ايراني على وحدة العراق واستقلاله.