حتى لو كان النظام الانتخابي يمنح الناخب مئة صوت بدلاً من الصوت الواحد، فإن الأحزاب القومية واليسارية التقليدية، لن تحصد مقعداً واحداً بقوتها الذاتية في الدوائر المحلية، إلا إذا يسّر لها الله مرشحاً يتمتع بدعم عشائري! ولذلك، فإنني أعجب من التحاق هذه الأحزاب بالإخوان المسلمين في معركتهم حول النظام الانتخابي. ليس هذا فعلاً سياسياً وإنما ضرب من السذاجة. بالمقابل، يمكن لهذه الأحزاب أن تحصل على تمثيل برلماني في الدائرة الوطنية التي يعدّ انتزاعها انتصاراً للقوى الوطنية والتقدمية.لكن معركة القوميين واليساريين لا تقع في باب الانتخابات، وإنما تقع في باب التحشيد الجماهيري في مجالات أخرى: الحريات ، العلمانية، السياسة الدفاعية، مراجعة معاهدة وادي عربة، التصدي لمشاريع الوطن البديل، استئصال الفساد، إسقاط النهج النيوليبرالي، المراجعة الشاملة لصفقات الخصخصة واستعادة سيطرة القطاع العام على القطاعات الاستراتيجية، إعادة هيكلة الضرائب على أسس تصاعدية الخ. والنضال الدؤوب المنهجي الجريء في هذه المجالات هو، وحده، الذي يعيد بناء القوة الجماهيرية والسياسية والانتخابية للقوى القومية واليسارية، ويعيد وصل ما انقطع بينها وبين المجتمع من وشائج غائبة!
أما اللعب ضمن فريق ‘ الإخوان’ فهو بلا جدوى، حتى على المستوى الإعلامي؛ لقد تابعت الفضائيات مساء يوم الجمعة الماضي، ولم يذكر أي منها القوميين واليساريين والوطنيين والمستقلين في تغطيته لمسيرة المسجد الحسيني. كل المنابر الإعلامية عنونت الحدث باسم ‘الإخوان’. وهي ليست مخطئة، لأن قضية المسيرة، من الناحية السياسية، هي قضية إخوانية. وهذا هو ما يفهمه الجمهور أيضا.
بالمقابل، لدينا نموذج حيّ لحركة تقدمية هي حركة ‘جايين’ التي نظمت في إربد، الجمعة، مسيرة ومحاكمات للفاسدين بشعارات وطنية واجتماعية ومدنية صريحة. مجموعة من الشباب أعلنوا استقلالهم عن نهج الحكم ونهج ‘الإخوان’، فأسسوا لحركتهم، وبحركتهم، علامة على نهج الطريق الثالث، النهج القادر على إنقاذ البلد من براثن الثنائية الخانقة للحكم و’الإخوان’.
النظام الانتخابي المقرر سيىء بالطبع، ولكننا لن نحصل على نظام انتخابي ديموقراطي قبل حل المسألة الوطنية الأردنية. بغير ذلك نكون أمام ‘ ديموقراطية’ الوطن البديل. وإذا كان من مصلحة ‘ الإخوان’ التوافق مع المخطط الغربي للوطن البديل بالحصول على تعهّده وتسويغه بثوب ديني، فأين هي مصلحة القوميين واليساريين في ذلك؟
تنتمي استراتيجية ‘الإخوان’ في الأردن إلى مجال إقليمي ودولي، لا إلى المجال المحليّ. وهو ما يدفع بالعناصر الأكثر جرأة عندهم إلى طرح إمكانية التوافق مع الغرب في مشروع وطن بديل إسلامي، يبدأ من احتكار التمثيل السياسي للأردنيين من أصل فلسطيني، وتبني قضية ‘ الحقوق المنقوصة’. ويقع اعتراض ‘ الإخوان’ على النظام الانتخابي في هذا الباب بالذات. ومن المؤسف أن قادة البعث والشيوعي والوحدة الشعبية وحشد والليبراليين، يصطفون وراء ‘ الإخوان’ اليوم، كما كانوا مصطفين وراء ‘ فتح’ في السابق، حارمين أنفسهم من الاستقلال السياسي في مشروع وطني اجتماعي ديموقراطي يشكّل الطريق الثالث في البلاد.
العرب اليوم