لا يريد فايز الطراونة أن يترك الدوّار الرابع قبل أن يرتكب القائمة الكاملة لأسوأ السياسات الحكومية مجتمعة: التمكين لليبرالية الجديدة والتأسيس لهدم الضمان الاجتماعي، والضلوع في صفقات من تحت الطاولة، وقمع الإعلام ،والاعتقالات في صفوف المعارضة الوطنية الجديدة، وإرسال الدرك لمهاجمة بلدة كركية، والتعيينات على أسس المصالح الشخصية والقرابات والنسب، والسعي لإجهاض العملية السياسية والتخريب على انتخابات قد تفرز نخبة جديدة، وأخيرا، وليس آخرا، ها هو يجرؤ على فتح الباب أمام تجنيس حملة البطاقات الخضراء، وتعديل تعليمات فك الارتباط بما يسمح بالتأسيس للتوطين السياسي.
يُقال عن الطراونة أنه محافظ. ولكن محافظ في قمع الإعلام وقطع الحوار والاعتقالات، أما في المجال الاقتصادي، فهو في خدمة الليبرالية الجديدة، ولا يطمح إلا لإرضاء الكمبرادور من وسطاء الرأسمال القَطري المصمم على الاستيلاء على الجهاز المصرفي الأردني لأغراض سياسية وليس استثمارية. ولا يتوهمن أحد بأن ذلك يصدر عن رؤية، وإنما عن ترتيبات تتعلق بمستقبله !
ويصوّر الطراونة نفسه بأنه رجل دولة عنيد، ولكن رجلا بهذه الصفة يكون بيروقراطيا ملتزما بالمعنى الإيجابي فلا يقرر تعيينات استنسابية تخدم شبكة علاقاته، وهناك مَن يعتقد بأن الطراونة خصم سياسي للإخوان. كلا . إنه مستعد لتمرير خطتهم في تفشيل الانتخابات، لئلا تنجح هذه في تصعيد سياسيين جدد تجعل واحدا مثله خارج الزمن. ثم إنه يوافقهم تماما في تسهيل التوطين السياسي.
ويدعي الطراونة أنه ‘ وطني أردني’. ولكن مَن كان له شرف هذه الصفة لا يطلق قنابل الغاز على أهالي راكين، ولا يرسل شباب المحافظات إلى المحاكم، ولا يسمّم الأجواء العامة بالحملات الأمنية لتصفية الحراك الأردني وتدمير العملية السياسية الوطنية.
توصيات اللجنة الوزارية للتوطين السياسي التي أجازتها حكومة الطراونة ‘بتصويب أوضاع عدد من حملة بطاقات إحصاءات الجسور الصفراء’، لا يمكن النظر إليها كإجراء إداري وفني، وإنما هي علامة سياسية على نهج هو ، بصراحة، نهج التوطين السياسي للقادمين بعد 13 تموز 1988، الذي جرى خلاله تجنيس حوالي 94 ألفا منهم خلافا لتعليمات فك الارتباط، من بين أكثر من مليون ينتظرون.
لا ننسى أن تجنيس هؤلاء كان ـ ولا يزال ـ مطلبا أمريكيا ـ إضافة إلى أنه مطلب إسرائيلي ـ ويستند أيضا على لوبي محلي من جماعات المحاصصة والحقوق المنقوصة والتوطين، وهي، نفسها، جماعات البزنس والليبرالية الجديدة والسفارات.
سحب الرقم الوطني، وفقا لتعليمات فك الارتباط، لا يتم اعتباطيا، وإنما على أسس منها تخلي المعنيين عن حق الإقامة في الضفة الغربية أو عن الهوية المقدسية الخ. ولم توضح الحكومة ما إذا كان الذين تم تصويب أوضاعهم، قد قاموا هم بتصويب مخالفاتهم لتعليمات فك الارتباط أم لا؟
لا يضحكنّ أحد علينا؛ فالقصة سياسية من أولها إلى آخرها. والمطلب الأميركي الإسرائيلي للتجنيس والتوطين، على جدول الأعمال. وفايز الطراونة ـ الشخص والنموذج ـ، دائما، في الخدمة! من وادي عربة إلى الخصخصة إلى القمع .
العرب اليوم