ناهض حتّر
في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف اليومية، اعرب الملك عن اولويات برنامجه: «بالحد من الفقر والبطالة ودعم الطبقة الوسطى وذوي الدخل المتدني».
وهذه القضايا مترابطة. فالطبقة الوسطى هي الاقدر على القيام بالاستثمارات، المتوسطة والصغيرة، الناجحة، وتحريك السوق المحلية. وهي، بالتالي، الاقدر على تأمين فرص عمل كثيفة ومتنوعة ما يحد من البطالة، كذلك فان تحسين الشروط الاقتصادية للفئات الوسطى، يعزز دورها في التكافل الاجتماعي، واستيعاب الفقر. ومن جهة أخرى، فان توفير شبكة خدمات اجتماعية وطبية وتربوية لاصحاب الدخل المتدني، يمنحهم او على الاقل يمنح ابناءهم، فرصا افضل للارتقاء بمستوى معيشتهم.
وهذه الحزمة من السياسات من شأنها التأثير، ايجابيا، على زيادة الطلب المحلي وتعزيز الاقتصاد الوطني، بالاضافة الى خلق قاعدة اجتماعية للتنمية السياسية وشيوع الثقافة الديمقراطية والتنوير.
لكن القائلين بهذه الحزمة، معدودون في صفوف المعارضة اليسارية الاجتماعية، ومعزولون عن التأثير في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
«القرار»، بالمقابل محتكر او يكاد، في ايدي الليبراليين الجدد، الذين يتبعون اولويات مضادة، تركز على دعم، رجال الاعمال، وتسخير كل امكانات الدولة في خدمة اصحاب الملايين، بغض النظر عن مصالح الدولة والمجتمع.
الليبرالية الجديدة، تعتبر حرية السوق واولويات السوق.. مقدّسة. وهي تصوغ السياسات المعادية للفئات الوسطى، والمجحفة بحق الفقراء، وتشجع استثمارات – عقارية ومالية- تعمق البطالة المحلية، وتلهب الاسعار، وتضغط على اصحاب الدخل المتدني، بحيث تهرسهم تحت عجلاتها. الاتجاه المسيطر الآن لاعادة كتابة قانون ضريبة الدخل، مصمم لخدمة كبار الرأسماليين، على حساب الفئات الوسطى.. وهو يهدّّد دخول عشرات الآلاف من المتقاعدين او من هم في طريق التقاعد.
الليبرالية الجديدة خصخصت – او تكاد – التعليم الجامعي، وفرضت على الاسر اعباء لا تُطاق في هذا المجال.. بل مهناً كالطب، والهندسة، سوف تكون، في خلال عقد واحد، محتكرة على ابناء الاغنياء والذوات.
في المجال الصحي، هناك نزوع قوي لخصخصة الخدمات الطبية. واذا ما سرنا في هذا الاتجاه، فسوف تواجه آلاف الاسر الاردنية، اوضاعا صعبة جدا في تأمين الحصول على العلاج.
وربما تعود الامراض القديمة الى الاستيطان في البلاد، مرة اخرى نسب النمو المتحققة في السنوات الاخيرة، لم تنعكس – ولن تنعكس- على الاغلبية الشعبية، لان التركيبة العضوية لهذا النمو تحتكر عائداته اقلية من رجال الاعمال الاغنياء.
اولويات الملك – كما حددها – تقع، اذن، في اتجاه معارضة الليبرالية الجديدة وهو ما قد يعطي حركة المعارضة الاجتماعية، قوة غير مسبوقة للاندفاع نحو تحقيق برامجها.