“الضمان”وقفة مراجعة غير قابلة للتأجيل

ناهض حتّر
“الضمان الاجتماعي” مستثمر كبير. وقد يحقق، بالتالي، الربح او الخسارة! كذلك، فان من حقه التعامل الاستثماري مع الحكومة بشروط محددة وفوائد مجزية! والقرارات الاستثمارية ينبغي ان تخضع للبيرقراطية، وان يتخذها رجال اعمال اكفياء وليس موظفين!
هذا هو ملخص وجهة النظر الليبرالية التي تسيطر على الوعاء الادخاري الوطني للعاملين والمتقاعدين في مؤسسة الضمان الاجتماعي، وسوف يستمر الليبراليون بتقديم بضع كلمات لتبرير الاخطاء والخطايا، مستخدمين الوسائل السلطوية.
لقد سبق ل¯ «العرب اليوم» ان سجلت اعتراضات متتالية عن انفصال القرار الاستثماري عن ادارة “الضمان”، وانفصالهما معا عن الخضوع للمساءلة المنظمة من قبل اية جهة ذات شرعية انتخابية. وقد شددنا على ان سيطرة رجال الاعمال وعقلية رجال الاعمال على استثمارات «الضمان» سيقود الى خسارة.
“كفاءة” رجل الاعمال لا تنفصل عن عقلية المغامرة. وهي قد تكون فعالة، ولكنها خطرة للغاية. وهذه المخاطرة يتحملها، في القطاع الخاص، المستثمرون انفسهم ذوو حملة الاسهم الذين ينتخبون مجالس ادارات مسؤولة امامهم. ولكن هذا النوع من “الكفاءة” لا يصلح في ادارة استثمارات الاموال العامة. لان «المخاطرة» هنا، ممنوعة كليا. فعندما يتعلق الامر بادخارات وحياة ومستقبل العاملين والمتقاعدين واسرهم، فليس امام القرار الاستثماري سوى ان يكون محافظا متحفظا متشددا، هدفه الاول الابقاء على الاموال العامة، وقيمتها، وتنميتها. فالمعيار الاول، هنا، ليس الربح وانما الامان. والكفاءة المطلوبة، هنا، هي التوفيق الحريص بين هذين المتطلبين.
ان العاملين والمتقاعدين لا ينتخبون كحملة الاسهم. لا ينتخبون اصحاب القرار الاستثماري في “الضمان” وهؤلاء الاخيرون توفرت لهم حرية مطلقة في استثمار اموال “الضمان” وهي “حرية” تفتقر الى الشرعية ولذلك، فهي تخضع لسلطة الحكومة. اي ان القرار الاستثماري في «الضمان» هو، في الآن نفسه، حر ازاء المجتمع، وخاضع ازاء الحكومة. وهذه التوليفة تقود الى نشوء آلية تسمح بالمخاطرات، وتمرير المصالح، واخضاع المدخرات الوطنية لقرارات الانفاق الحكومي، وبالمحصلة، فان مستقبل مئات الآلاف اصبح على كفّ عفريت.
اعتراضنا، اذن، على الآلية، وليس على الاشخاص، على العقلية لا على العقول، وعلى الاتجاه لا على مجرد الاخطاء. ونرى انه آن الآوان لوضع الامور في نصابها، بانشاء آلية جديدة تحظى بالشرعية (1) باخضاع القرار الاستثماري لمجلس ادارة «الضمان»، واخضاع «الضمان» لرقابة هيئة مستقلة تتكون من قيادات نقابية ونيابية، واقرار المواقع القيادية، في “الضمان” لموافقة المجلس النيابي (2) اجراء نقاش فني وسياسي – اجتماعي لكتابة دليل استثماري يحدد معايير واتجاهات استثمارات “الضمان” (3) وقف التعاطي، كلياً ومن حيث المبدأ، مع الطلبات “الاستثمارية” الحكومية، درءاً لشبهات اختلاط الاستثماري بالسياسي، وتحرير «الضمان» من الارتباط بالوضع المالي للحكومة. (4) تحديد العلاقة مع القطاع الخاص، ورجاله، في خانة الاستشارات بدلا من خانة القرار.
لا يمكن، بعد، التسامح ازاء الوضع في ادارة “الضمان” بتقسيمها الى اداة جباية واداة استثمار منفصلتين عن بعضهما، وعن رقابة المجتمع.

Posted in Uncategorized.