الضحك والأسى

ناهض حتّر
كتبت السيدة توجان فيصل، في «الجزيرة نت»، مقالا بعنوان: «مأزق يدعو للقلق» بالاستناد الى مقالات للزميلين فهد الفانك وفهد الخيطان، ولكن بالأساس، الى مقالي «المأزق» المنشور، هنا، في 22/1/.2007
ومن الواضح أن التحليل الوارد في هذا المقال أعجب السيدة توجان، فاستعملته بتنصيص ومن غير تنصيص، وأضافت على عنوانه «المأزق» بأنه «يدعو للقلق» وهذا من تحصيل الحاصل، فأي مأزق .. يدعو للقلق!
وهذا الاستعمال لا يسوؤني بالطبع، الا أن السيدة توجان – ولإعطاء قيمة لمساهمتها – اعتبرت مقالي، «اعترافاً» لكاتب «من أهل الدولة» وعرّفت بي على اساس انني احد المعارضين الذين انتقلوا الى صف الموالاة – لقاء ثمن – وهو ما يثير الضحك والأسى معا.
وهكذا، تكون السيدة توجان، قد استعملت مقالي، مرتين، كتحليل – وهذا حقها – و«كاعتراف» يصدر عن صحافي من قلب النظام – وهذا تضليل للقارىء العربي، ذلك ان القارىء الاردني يعرف الحقائق – وقد بررت هذا «الاستعمال» باغتيالي معنويا.
ولعله من المناسب الاشارة هنا الى الآتي:

(1) ان كتاباتي كلها تقع في باب النقد للسياسات الرسمية، الخارجية والداخلية، من دون أن أكون جزءاً من «المعارضة» القائمة التي أرى انها، ايضا، في مأزق.

(2) بيني وبين «أهل الحكم» مسافة لا تبرر الادعاء بأن ما يصدر عني من تحليلات هو بمثابة «اعتراف» منهم، بوجود مآزق في السياسات الرسمية – وبالتالي فان أطروحة السيدة توجان لا معنى لها.

(3) ليس للسيدة توجان، ولا لغيرها، الحق في الخوض في تصنيف الأشخاص أخلاقيا، والمس بشرفهم وكراماتهم.

انني أتعاطف مع السيدة توجان، وقد دافعت – وسأدافع – عن حقها في إبداء الرأي وممارسة السياسة من موقعها الخاص – وقد سبق لها أن فعلت معي الشيء نفسه – وهذا لا يمنع اننا مختلفان في نقطتين: اولهما انني أمارس نقد السياسات الاردنية من موقع أردني صريح، يميز بين المعارضة الجذرية للسياسات. وبين الايمان بالاردن وبالمشروع الوطني الاردني، وقد يرى الكثير من المعارضين، انه لا معنى للمعارضة الا اذا كانت معارضة لهذا المشروع نفسه، سواء أمن وجهة نظر قومية أو اسلامية أم انطلاقاً من أجندات اقليمية او شخصية، وعند هؤلاء، فان الاردني لا يكون معارضاً او مستقلاً الا إذا اعتبر وطنه «مصطنعاً» وقابلاً للفكّ والتركيب. وهكذا، فانني أرى نفسي، بالطبع، «من أهل الدولة» ولكنني، قطعاً، لست من أهل الحكومات، وثانيهما، ان الناشط الثقافي والصحافي المحترف ملتزم بقواعد مهنية في الأداء، يتجاوزها الناشطون والكتّاب الباحثون عن الشعبية «من المعارضة» أو الباحثون عن المناصب من السلطات. فأول شروط المهنية ان يكفّ الكاتب عن «الهجاء» وعن «المديح» معاً. وبالنسبة لي، أحمد الله أنني لم أتورط في المديح اطلاقاً، بينما تخلَّصت – غير آسف – من النزعة الى الهجاء! وربما كان هذا وراء ما تقوله السيدة توجان من اعتراف فريقي الحكم والمعارضة، «بكفاءتها» يبقى انه تقع على «الجزيرة نت» الملامة المهنية، اولاً، للسماح بنشر مواد تنتهك حرمات الأشخاص على موقع من المفروض انه يتمتع بالحيدة والمصداقية والالتزام المهني، وثانياً، لرفضه نشر تعليق قصير أرسلته لتوضيح الحقيقة، ما جعلني أتيقن بأن محرر «الموقع» قد قصد الاساءة اليّ أيضاً. وهو ما يدعو للاسف والتأمل في أجندة «الجزيرة» التي ربما تكون معادية، بالفعل، للأردن والأردنيين بغض النظر عن اتجاهاتهم.

وأخيراً، فانني أرسل هذا المقال للنشر وأنا محزون. وعزائي أن هذا السجال – على العكس مما يبدو – ليس شخصياً، ولكنه دفاع عن حق المثقف بالاستقلال السياسي وسط تلاطم الأجندات الرسمية و«المعارضة». وكذلك – بالأساس – دفاع عن حق المثقف الاردني، بالايمان بوطنه وبالأجندة الاستراتيجية للدولة الاردنية. من دون أن يكون محسوباً على السلطات ومراكز القوى، ومن دون أن يكون محسوباً، أيضاً، على المعارضات الديموغوجيّة

Posted in Uncategorized.