الشرارة

ناهض حتّر
في ختام الانتخابات الرئاسية المصرية، تحدث محمد حسنين هيكل الى “الجزيرة”، عن الوضع المصري، عرض عمدة الانتلجنسيا المصرية، اللحظة التاريخية بكل ابعادها الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية، وتوصل الى حكم قاطع بأن النظام المصري الحالي، فقد شرعيته، وأصبح عبئاً على الزمن والبلد.

وكان هيكل يتحدث في ذروة درامية لنهوض المثقفين المصريين من السبات والعبوديّة والمَلَق والاستغراق في مهاوي المكاسب الشخصية والخوف.

ففي بضعة الاشهر الماضية، رأينا أساتذة جامعات وصحافيين ونشطاء وقضاة ونقابيين ونوابا وشخصيات عامة وشبابا يافعين، في حركة انطلاق لقيم الحقيقة والحرية، نستطيع القول أنها جددت الحياة السياسية والثقافية في مصر.

ومصر -كما هو معروف – لها موقع قيادي في الحياة العربية. ولن تلبث نهضة المثقفين المصريين الروحية طويلا، قبل ان نشاهد تأثيراتها في كل البلدان العربية.

ونهضة المثقفين، في اي بلد، هي لحظة طليعية لا تنعكس، مباشرة، في نتائج الحراك السياسي، ولكنها، في الاخير ، تقوده الى برنامجها في المدى المنظور، انها علامة على الآتي.

وفي كل الاحوال ، ليست النتائج السياسية المباشرة هي الاكثر اهمية في حركة المجتمعات ، بل الحركة ذاتها التي تحرر القوى الجديدة من الخضوع والخنوع والقيود، وتطلق الروح من إسارها، وتفجر ينابيع التغيير، وتطرد الركود والعفن.

المثقف المصري يسترد وعيه وكرامته وقدرته على قول الحقيقة، والتعبير عن ارادة الحياة، سواء أكان ذلك في صرخة احتجاج ام في تحليل استراتيجي يتطلب المعلومات والحنكة والشجاعة.

أسوأ العلامات، في أي مجتمع، ان تخضع النخب لاعتبارات رجل الشارع وضرورات العيش اليومّي- وأردؤها الانتهازية والخوف- وتقبل بالعبودية الروحيّة.

فانحطاط المثقفين لا يشير فقط الى انحطاط المجتمعات ، وانما يساهم في تكريسها ، ويهددها بالانفراط لدى انفجار الواقع الاجتماعي في ثورة بلا برنامج او حركات ارهابية.

المثقف مسؤول ازاء مجتمعه -مثلما إزاء كرامته الشخصية – وليس معذورا في التفلت من هذه المسؤولية، بحجة ان الاغلبية الشعبية لا تناصره او لا تكافئه، او بحجة المسؤوليات الشخصية او العائلية الخ.

يبقى ان نلاحظ ان جرأة المثقفين المصريين ليست صرخة في البرّية، انها، بالاساس، تعبير عن تغيير في موازين القوى الاجتماعية – السياسية، وهذا التغيير موجود – موضوعيا -في كل البلدان العربية، بهذا القدر او بذاك.. وهو ينتظر -فقط – الشرارات الذاتية.

Posted in Uncategorized.