السكوت الذي من ذهب!

ناهض حتّر
أسوأ ما تشتمل عليه الهيكلية الحكومية – بالاضافة الى «وزارة التخطيط» التي بينا، مراراً، انه ينبغي – الحاقها بوزارة المالية – هو وجود ناطق رسمي برتبة وزير. وليس – مثلما اقترحنا دائماً – وجود متحدث اعلامي غير رسمي في مكتب رئيس الوزراء، يأخذ منه الخلاصات ويعلنها، ويجيب على اسئلة الصحافيين، بحدودها.

وظيفة «الناطق الرسمي»، ممكنة، فقط، في الانظمة السياسية الديمقراطية، حيث تتشكل الحكومات من حزب الاغلبية أو من ائتلاف حزبي متجانس له رؤية وبرنامج، وتقوم بين اعضائه حملات فكرية وسياسية مؤسسية.

الناطق الرسمي، في هذه الحالة، يكون عضواً في حزب الحكومة، وملماً بسياساتها، ومرتبطاً، بصوة ديناميكية ومنهجية، بالوزراء والوزارات، وبمكتب الرئيس.. وبالرئيس شخصياً. ولذلك، يكون بامكانه، بالفعل، ان ينطق باسم الحكومة او الادارة وهذا – بالطبع – بعيد تماماً عما هو الحال عندنا. فالناطق الرسمي هو وزير الى جانب وزراء تم اختيارهم بصورة ادارية وعلى أسس فردية، ويحتفظ كل منهم بآرائه وسياساته وكذلك بالمعلومات الاساسية في وزارته.. وهو غير مستعد لتقديمها الى «الناطق الرسمي».. واذا كان لدى مدير عام في الحكومة، معلومة مهمة او انجاز مميز.. فسيتولى هو شخصياً، الاعلان عنهما… فهو لا يرتبط، فعلياً، إلا بنفسه، ومعني بمراكمة المعرفة والفهم والانجاز.. لنفسه.

الناطق الرسمي في الاردن، لا يستطيع الحصول، بالفعل، على المعلومات او المواقف في معظم الحالات. وهو – كفرد ايضاً – ينطق بالكثير من عندياته، وفقاً لطريقته في التفكير والتعبير وهو – كوزير فرد هو الآخر – معني بحضوره الشخصي.

في السياسة، يكون الصمت، احياناً، ضروريا. ولا بد للناطق الرسمي ان يكون مُدَرَّباً على ان ينطق من دون ان يكسر الصمت. وهذه ليست مجرد خبرة اعلامية، بل خبرة تعبّر عن منهجية سياسية كاملة أوضحناها قبل قليل.

على سبيل المثال، هل كان هناك ضرورة سياسية للاعلان عن ان الاردن يرفض استقبال اعضاء النظام العراقي السابق، المفرج عنهم من سجون الاحتلال، واعلان أسباب مختلفة لذلك، مرة «لأنه لم يحدث تنسيق معنا» ومرة لان الضيوف المحتملين «ليست لديهم اقامات سابقة في الاردن» الى آخره من عدم الوضوح حول موضوع حساس يمكن بحثه ملياً، والتشاور مع الفرقاء حوله، في القنوات الدبلوماسية. ماذا اذا جرى استقبال اولئك لاحقاً – مثلا: بطلب من الحلفاء الامريكيين؟ – سيقال عندها ان الاردن خضع للضغوط.. وسوف نقوم – عندها – بالواجب من دون الافادة منه في تعزيز صورة الاردن، بل مع الاساءة اليها.

وهو مجرد مثال من أمثلة عديدة لديّ في مجالات عدّة تثبت ما يلي: «1» ان جميع أعضاء الحكومة يصرحون – فما الحاجة، اذن، للناطق الرسمي؟ «2» وانه ينطق باكثر مما يجب ولا يستطيع السكوت.. عندما يكون من ذهب.

Posted in Uncategorized.