السفارة ..

رفضت دمشق, دائما تبادل العلاقات الدبلوماسية مع بيروت. ليس لأنها أبعد, بل لأنها الأقرب. وهذا التقليد في السياسة السورية يعود الى ما قبل حكم البعث. وهو يعكس الظلال الرمزية لعلاقة متداخلة لم تتضح يوما, لا في الحدود ولا في السياسة ولا في الثقافة, مع أنها شهدت انفصالا اقتصاديا لوحدة الجمارك والمصرف المركزي منذ اكثر من نصف قرن.وأقصى ما استطاع الرئيس الراحل حافظ الاسد, ان يصل اليه في تعريف تلك العلاقة الملتبسة, أنها علاقة (شعب واحد في دولتين). والشعب الواحد, بالطبع, لا يتبادل السفارات.
قبلت الوطنية السورية, نظيرتها الاردنية, لثلاثة أسباب: 1- ان الدولة الاردنية كانت, عندما استقلت سورية, قد نشأت وترسخت وقويت, واعتبرت نفسها وريثة المملكة الفيصلية, واتخذت العلم السوري ذا النجمة علما لها – 2- لان الدولة الاردنية لم تقتطع شيئا من قلب سورية, بل شملت الأخيرة جزءا من إقليم حوران – 3- ان الاردن اعتبر نفسه, ايضا, دولة/ مركزاً في بلاد الشام, وكان, عنده, مشروع وحدة لسورية الكبرى.

أما لبنان, فقد نشأ من اقتطاع اربعة اقضية كانت, دائما, جزءا من القلب السوري, وكان البلدان متحدين واقعيا تحت الانتداب الفرنسي, بينما نظرت دمشق, في سياق الصراع المفتوح مع الصهيونية, الى فلسطين باعتبارها جنوب سورية. وكان الاسد الأب يعني ما يقول حين حدد أمله بان تكون (الجولان في قلب سورية).

الجولان على مقربة من ان تكون حدود سورية مع (اسرائيل), بينما جراح الوطنية السورية تندمل في الاسكندرون بعلاقة الصداقة المستجدة مع تركيا, وفي لبنان بالسفارة وما سيتلوها من ترسيم الحدود, وفي فلسطين التي استقبلت دمشق رئيس سلطتها بالاحضان.

تدفع سورية, إذا, اثمانا باهظة جداً على صعيد الرموز – المهمة للغاية في تشكل الدول الكبرى – لكنها تحصد, بالمقابل, جوائز صمودها. ففي لبنان, كما في فلسطين, اصبح حلفاء سورية, القوى المقررة على الارض, واصبح الملفان, اللبناني والفلسطيني, موضوعيا, في أيدي دمشق. واكثر من ذلك, فان الرئيس الفرنسي, ساركوزي, يقترح على الرئيس بشار, ايضا, الملف الايراني!! وهو تعويض لم يحصل عليه الاسد الأب الذي عاش حياته يقاتل على الجبهات التركية و(الاسرائيلية) واللبنانية والفلسطينية, طلبا لوحدة الشام. ولا اعرف ما اذا كان الاستراتيجي الكبير الراحل مستعدا, تحت أي ظرف, ان يرسل سفيرا الى بيروت?

أيام سورية آتية, فهي مالكة الملفات الاقليمية, وسوف تغدو على رأس سلم الاستثمار العربي, والتقرب الاوروبي والتفاهم الامريكي. ولكن سيكون عليها ان تعيد تعريف هويتها الوطنية في إطار حدود الجمهورية العربية السورية, وتتصالح مع هذه الحدود.

هنا, سوف تعيش سورية لحظة مفصلية خطرة: هل تنكفئ? وتتواءم مع مشروع الليبرالية الجديدة في تكرار للتجربة المصرية? أم يمكنها ان تطور تجربة حقيقي

ة في اقتصاد السوق الاجتماعي, وتقترح صيغة ابداعية لوحدة بلاد الشام تقوم على الاعتراف بالوطنيات الشامية الأربع?.
العرب اليوم.

Posted in Uncategorized.