عرض رحيّل غرايبه – امس الاول الجمعة في ‘ العرب اليوم’ – عرضا جيدا لعناصر الأزمة الإقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأردن, لكن فاتته الإشارة إلى عناصر الأزمة المالية. وهي الأسوأ, لأنها تهدد بإنخفاض درامي جديد لمستوى معيشة الأغلبية.
فما الذي يقترحه غرايبه لمواجهة الأزمة? إنه يعود, مرة أخرى, إلى البقرة المقدسة, أعني الإصلاح السياسي. فهو يتوهم أنه بمجرد الحصول على تعديلات دستورية ونظام انتخابي يمكن الإخوان من الحكم أو المشاركة في الحكم, فستحل الأزمات.
الإصلاح السياسي – للعلم – هو حل ليبرالي. وقد تبناه الإخوان المسلمون. وأثره على المجال الإقتصادي الاجتماعي محدود جدا, ولا يتعدى خفض بعض المظاهر الأكثر فجورا للفساد. لكن ليس غير ذلك. فالقضية الأساسية, بغض النظر عن الصلاحيات الدستورية ومستوى البرلمان وأخلاقيات رجال الحكومة, هي تغيير علاقات القوى الاجتماعية القائمة وتشييد موديل إقتصادي جديد, وطني واجتماعي.
لا حل للأزمات الأردنية, من دون إطاحة الطبقة الكمبرادورية ( وكلاء المصالح الأجنبية ) والموديل الإقتصادي النيوليبرالي القائم على الخصخصة وأولوية اجتذاب الإستثمارات وفتح البلاد أمامها ما حوّلها إلى مستعمرة إقتصادية وجنة ضريبية وإستهلاكية.. الخ
الإصلاح الحقيقي يكمن في استرداد موارد البلاد, وإخضاعها لخطة تنموية وطنية شاملة تقوم على القطاع العام (للمرافق الاستراتيجية كالمناجم والاتصالات والمال والنقل والتعليم والصحة.. الخ) والقطاع التعاوني (للزراعة) والمؤسسات المتوسطة والصغيرة (للحرف والصناعات الزراعية.. الخ) وإخضاع العلاقات الخارجية لمتطلبات التنمية الوطنية وليس العكس ¯ كما هو قائم الآن من منح الأولوية للرأسمال الأجنبي ¯ ولا يمكن السير في هذه الخطة من دون التدخل الحكومي في السوق على كل مستوى, بما في ذلك إستعادة وزارة التموين لتأمين سلة العيش للمواطن في إطار راتب اجتماعي. ويمكن للحكومة تمويل متطلبات الخطة من خلال قانون تصاعدي فعال لضريبة الدخل, أما السيطرة على نزعة الإستهلاك, فلا تكون بالهداية, بل بإعادة هيكلة الضريبة العامة على المبيعات لتحصيل حق المجتمع إزاء حق الإستهلاك.
هل يمكن أن يلعب الإصلاح السياسي دورا في هذه العملية? يتوقف ذلك على المضمون الاجتماعي لقوى الإصلاح السياسي. هل هي قوى وطنية اجتماعية..أم قوى ليبرالية?
لقد اكتشفنا أن شيخ الإصلاح السياسي في الأردن, كان وراء إتفاقية الإذعان المشبوهة لخصخصة الفوسفات, كما أن مكتبه عضو في مجلس إدارة البوتاس مع الشريك الأجنبي الكندي.
ولاحظنا من تجارب تونس ومصر وليبيا والمغرب, أن سيطرة قوى إسلامية على المشهد السياسي لم تؤدّ إلى تغييرات في العلاقات الإقتصادية الاجتماعية, بل أدت, بالعكس, إلى توطيدها. وفي أفضل تلك التجارب, التجربة التونسية, فإن سياسات حزب النهضة صريحة لجهة عدم مساسها بالشركات والإستثمارات وحرية السوق.. الخ, بينما أعلن خيرت الشاطر, القيادي الإخواني المصري البارز والمرشح السابق للرئاسة, أن ‘ سياسات مبارك الإقتصادية صحيحة’ واعتراضه ليس على جوهرها ولكن على طريقة إدارتها الفاسدة.
في أمريكا اللاتينية تطورت قوى كاثوليكية إلى تبني البرنامج الإقتصادي الاجتماعي اليساري, فيما عُرف ب¯ ‘كنيسة الشعب’ و’لاهوت الثورة’. فهل نطمح إلى ان يتفوّق نفر من إخوان الأردن على نظرائهم العرب, ويتقدموا بطرح صريح لتغيير علاقات القوى الاجتماعية? هذا هو السؤال المطروح على رحيل غرايبه وسالم الفلاحات ونبيل الكوفحي ورفاقهم.
العرب اليوم