ناهض حتّر
بيننا وبين الانتخابات النيابية، فاصل زمني هو نفسه الفاصل الزمني لتفاعلات التغيير الكبير على المستويين الاقليمي والدولي.
أمام الامريكيين – مثلما اعلن خبراؤهم «المعتمدون» – ستة اشهر للنجاح في العراق او الانهيار والانكفاء على طريقة فيتنام. وسوف يستخدم البيت الابيض – حسب نصيحة هنري كيسنجر – الوسائل العسكرية والدبلوماسية معاً، خلال هذه الفترة، لتأمين نهاية مقبولة للمغامرة العراقية. وقد أصبح مفروغاً منه ان هنالك ثمناً على واشنطن ان تدفعه: لحساب سورية وايران في حالة التفاهم او لاسرائيل في حالة الحرب. وفي الحالتين، فإن الاردن هو الذي سيدفع الثمن المضاعف.
الجنوح نحو التسويات بين المحور الامريكي – السعودي – المصري والمحور الايراني – السوري، سوف يؤدي الى تهميش الدور الاردني الذي لم يستطع ان يواكب – وربما ان يلحظ – ديناميات التغيير في المنطقة والعالم. وسيكون على عمان ان تواجه لعبة جديدة في الاقليم، لم تتهيأ لها، وتضطر، عندها، الى اعادة تعريف مجمل مقاربتها في السياسة الخارجيّة من موقع ضعيف نسبياً، ازاء ايران المعترف بها كقوة اقليمية – وربما نووية – وسورية المعترف بنفوذها في العراق ولبنان معا، والمنخرطة في مفاوضات مع اسرائيل، بدعم سعودي – مصري، بما يشكل استعادة للمحور العربي الثلاثي التقليدي.
غير ان التحدي الاكبر، سيكون في فلسطين، مع رعاية الرياض والقاهرة لنظام فلسطيني ثنائي، تحصل فيه «حماس» على مشاركة ثابتة ومعترف بها. وهو ما سيخلق مصاعب حقيقية امام العلاقات الاردنية – الفلسطينية. فعمان ان لم تأخذ اية خطوة باتجاه المصالحة مع حماس، على الرغم من ان الاخيرة، اثبتت قدرتها على البقاء. واخطر ما يواجهه الاردن هو نشوء تفاهم عربي – اسرائيلي على شطب حق العودة. وهو ما سيطرح، على التو، اسئلة كيانية صعبة في الداخل الاردني.
بالمقابل، فإن كل تلك المسارات التسووية، قد تسقط، وتتجه الصراعات نحو الحسم العسكري. وسيشكل ذلك اخطاراً جسيمة على المنطقة كلها – بما فيها الاردن بالطبع – لكن، على المستوى الاستراتيجي فإن «المملكة» ستكون الخاسر الأكبر. ذلك ان الحرب – على ايران او على الجبهة اللبنانية والسورية – ستتولاها اسرائيل كقوة عسكرية رئيسية لا غنى للجيش الامريكي المنهك في العراق، عنها او عن تعاونها. وسوف تقبض اسرائيل، الثمن في الضفة الغربية، ما يمنع، واقعيا، نشوء دولة فلسطينية قابلة للحياة، بل ويخلق الفرصة للتهجير القسري- او الواقعي – نحو الاردن.
ومن المؤسف ان البلاد تواجه مخاطر السلام والحرب في الاقليم، بينما تزداد، داخليا، الهوّة الاجتماعيّة بين الاقلية المتفاقمة الثراء من تزاوج النفوذ والبزنس، وبين الاكثرية الشعبيّة من بقايا الفئات الوسطى والفقراء والمهمشين. لقد اصبح واضحا ان السياسات الليبرالية الجديدة اخفقت في تحقيق اهدافها المعلنة من زيادة الانتاجية والقدرة التنافسية للاقتصاد الاردني، وتشغيل العاطلين ونشر الرخاء.. الخ، لكنها انتجت – على العكس – حالة من الفوضى والانكشاف والعجز والعطالة والافقار.
***
هل ستكون الانتخابات النيابية في الخريف المقبل، لحظة تتلاقى فيها الارادة الوطنية لمراجعة الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصحيح المسار.. ام انها ستكون «لحظة تكرار» مقيدة بالشروط المحلية التي تتجاهل مركزية البرلمان في النظام الدستوري الاردني، ودوره المحوري في التغيير والاصلاح والقرار؟
لا يعتمد الامر، فقط، على قانون الانتخاب العام – على أهميته في استقطاب قوى وشخصيات جديدة الى العمل النيابي – ولكنه يرتبط، بالدرجة الاولى، بنوعية ومضمون الحراك السياسي الشعبي خلال الفاصل الزمني القصير الآتي قبل الاستحقاقات الكبرى.
هل يريد المجتمع الاردني ان يلعب دوراً سياسياً حاسماً في تقرير خياراته وحياته ومستقبله، ام انه سيواصل الركون على الهامش؟ هذا هو السؤال الرئيسي.