العرب اليوم
ناهض حتّر
الجبناء والعملاء فقط، هم الذين فرحوا بوقوع الرئيس صدام حسين في الاسر، وهم، وحدهم، الذين وصفوه «بالجبن»، لانه لم يقاتل حتى الطلقة الاخيرة وبعضهم ممن نعرف، قضى العمر وهو يلعق احذية الغزاة! ثم يجرؤ على الرئيس الاسير! يا للعار! هؤلاء العملاء الذين يتلذذون بآلام الشعوب العربية، ايدفعونها الى اليأس والقنوط! كلا، فالانفجار الشعبي ضد الاستعمار الاميركي واتباعه وخدامه، هو المنتظر الان، ليس في العراق وحده، بل في العالم العربي كله.
نحن لا نعرف شيئا عن ظروف اسر الرئيس صدام حسين، ولا نستطيع ان نحكم على الواقعة، بعد، من وجهة نظر التاريخ، لكننا، على المستوى السياسي، نوجه الاهتمام الى الاتي (1) الرئيس صدام حسين هو اسير حرب. وبالتالي. فان تخديره وتصويره بالتلفزيون بصورة مهينة، هو خرق فاضح لمعاهدة جنيف بخصوص اسرى الحرب.
وهو ما يستدعي مقاضاة الولايات المتحدة الاميركية وادانتها، والتنديد بانحطاطها الاخلاقي والسياسي (2) اظهار زعيم عربي هو رمز قومي بالنسبة لـ 90 بالمئة من العرب على الاقل، في تلك الصورة، هو اهانة مقصودة للامة العربية، ومن نافل القول ان اولئك العرب الذين فرحوا بهذه الاهانة ليسوا سوى مرضى نفسيين مصابين بعقدة احتقار الذات.
ومع ذلك، فان الوقوع في الاسر… ليس هو الخاتمة المتوخاة لحياة الرئيس صدام السياسية، فالمنطق الداخلي لنضال رئيس العراق، اكنا معه ام ضده، يقودنا الى توقع موت البطل في اشتباك اخير، يمنح لحياته كلها بانتصاراتها وهزائمها وطموحاتها واخطائها -معنى يتجاوز السياسي الى الاسطوري، ويضمن تكريس صاحبها قديسا، ولذلك، كان اسر الرئيس-وليس اكتشاف مخبئه -خارج التوقعات. وهو ما ضاعف احساس الوطنيين العراقيين والعرب، بالصدمة والاهانة، خصوصا اولئك الذين يؤمنون بدور الفرد في التاريخ، ويعلقون على «البطل»، وليس على الجماهير، آمالهم.
وفي امثولة جديدة على تفاقم ازمة الاميركيين في العراق، وحاجتهم الملحة الى الحصول على «نصر» تلفزيوني سريع -وان كان مؤقتا-فانهم لم ينتبهوا الى الكلفة التاريخية للمشهد، لقد اظهروا (فارس الامة) رجلا مخدرا مستسلما للتفتيش الجسدي، وهذه وضاعة حقيرة سوف يدفع الاميركيون ثمنها غاليا جدا، ولزمن طويل. ذلك ان توجيه اهانة بهذا الحجم الى امة لها مكانة وسيكولوجية العرب، هو لحظة «ارهابية» بامتياز.
اراد الاميركيون، بالطبع، تحطيم الاسطورة، لاهداف تكتيكية، فهم بحاجة ماسة الى نصر عاجل -وان كان زائفا -يمنحهم القدرة على التقاط الانفاس، لا غير، ولكن، هيهات: فالانتصارات التكتيكية في سياق استراتيجية مهزومة، تعجل بالخاتمة! وهكذا، فان النصر الزائف الذي حققه الاميركيون باسر الرئيس العراقي يرتد عليهم عاجلا، ويطرح استحقاقات لم تعد قابلة للتأجيل وهي:
(1) وجود الرئيس صدام في الاسر حيا هو عبء سياسي على الاميركيين، يمنع، لامد طويل، حل مشكلة تمثيل العرب السنة، وقد بادر هؤلاء الى اعلان تأييدهم للرئيس الاسير مجددا، واذا كانمت المساعي السابقة لتفاهم مع «المثلث السني» قد باءت بالفشل، فهي، اليوم، ممتنعة كليا، وهو عكس ما كان سيحدث لو ان الرئيس استشهد.
وطالما ان مشكلة تمثيل العرب السنة معلقة من دون حل، فان الاطار الاجتماعي-السياسي للتيارات المقاومة، وابرزها التيار البعثي، لن يمكن تفكيكه، بل ان محاكمة الرئيس، ستصلبه اكثر فاكثر. وسوف يشهد «المثلث السني»، من الان فصاعدا، المزيد من العمليات القتالية، بالاضافة الى المظاهرات والتعبيرات الشعبية الاخرى، في انتفاضة مستمرة.
(2) اذا كان اسر الرئيس صدام قد اوقف، نهائيا، سيناريو عودة النظام السابق، فان عقبة رئيسية اما انضمام التيارات الوطنية في الجماعة الشيعية العربية الى المقاومة المسلحة، تكون قد زالت، وستكون هذه التيارات -وخصوصا تيار الصدر -امام استحقاق لا يقبل التأجيل للمطالبة بالرحيل الفوري للمحتلين او اعلان الجهاد ضدهم.
(3) وستنفتح بذلك، امكانية وحدة قوى المقاومة العراقية من كل التيارات السياسية، بغض النظر عن انتمائها الطائفي.
(4) وحالما تتشكل كتلة موحدة تمثل العراق العربي، فان الاكراد سيخضعون، حتما، لمعادلات التفاهم السني-الشيعي، وهو ما يطرح «الفدرالية» جانبا.
(5) اذا كانت «مرحلة صدام» قد انتهت، فهي انتهت بكل مكوناتها، بما فيها «المعارضة» السابقة، وهكذا، لا يعود مجلس الحكم لازما فهذه الصيغة الهشة المحتشدة بعملاء لا جذور عراقية لهم، تمت فبركتها، بالاساس، في مواجهة مقاومة بعثية تحمل في طياتها «خطر» عودة النظام السابق، وهذا الخطر لم يعد موجودا الان، وبالمقابل، فان صيغة «مجلس الحكم» اصبحت عبئا على ضرورة ايجاد صيغة جديدة تستوعب التحولات المنتظرة في بنية المقاومة، وحجمها، ومضمونها السياسي.
***
الان، فكر معي، عزيزي القارئ، بالمحور الذي يستحق الاهتمام: الرئيس صدام في الاسر الاميركي… ام اميركا «الاسيرة في العراق» ؟! وربما كان عليك، وعليّ، وعلينا… ان نظهر غضبنا عل اسر رئيس عربي كبير، واهانته-وان نحول هذا الغضب افعالا سياسية -غير انه علينا الا نتوه لحظة واحدة في سيكولوجية «الهزيمة»… فالامبراطورية الاميركية هي التي تنهزم في العراق… وعلينا ان نستعد لهزيمتها في كل ارجاء العالم العربي.0