ناهض حتّر
تتبع ايران نحو العالم العربي، سياسات متناقضة بصورة حادة. فهي- من بين أشياء أخرى- تؤيد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي. لكنها- بالمقابل- تناوئ المقاومة العراقية، وتتواطأ مع الاحتلال الامريكي في العراق.
وهذا التناقض مفهوم، فللايرانيين مصلحة في استغلال الصراع العربي – الاسرائيلي، لتعظيم نفوذهم الاقليمي. والضغط على الولايات المتحدة في سياق التوصل الى تفاهم استراتيجي. لكن، في العراق، حيث المفصل الأهم في المنطقة، فان طهران تسعى الى تفكيك الدولة العراقية، وتحطيمها، والاستيلاء على اجزاء منها. وهو ما أتاحه الاحتلال الامريكي الاجرامي، والذي لا يستطيع البقاء الا بتمزيق المجتمع العراقي مذهبياً واثنياً.
وههنا،، منطقة أخرى للقاء الايراني – الامريكي. فايران التي تأمل بالخلاص، نهائياً، من العراق كقوة اقليمية، عملت وتعمل على اذكاء الانقسام والتذابح المذهبيين على أرضه. وليس من الغريب ان المخابرات الايرانية التي شحنت ودعمت فرق الموت “الشيعية” – وخصوصاً جيش المهدي- هي نفسها التي قدمت تسهيلات واموالاً لمنظمة “القاعدة” السنية المتشددة المسؤولة، – الى حد كبير- عن البدء بمسلسل المذابح المذهبية في العراق.
وكحدٍ أدنى، يمسك الايرانيون بالعراق كرهينة لتمرير مشروعهم النووي، والاعتراف بنظام الملالي كشريك اقليمي للولايات المتحدة.
لقد أظهرنا هذه اللوحة المعقدة للسياسة الخارجية الايرانية، مراراً وتكراراً، وبالتفصيل. ولكننا لم نطالب، ولا نطالب الآن، بالقطيعة مع ايران. كلا. فهذه العنتريات المذهبية القومية، تصب، في النهاية، في الطاحونة الامريكية. بالعكس، نحن نؤيد الحوار الجدي مع ايران، والتوصل معها الى تفاهم استراتيجي، نحو، تحالف عربي – ايراني- وربما تركي في مواجهة الغرب الاستعماري.
قلنا، ونقول للايرانيين انهم يسيرون في خط لا يخدم مصالحهم الكبرى التاريخية، بل -على العكس- يضعفهم ويعزلهم ويقلص نفوذهم داخل العراق. ويحشد العالم العربي ضدهم، ويسهل، في النهاية ضربهم على أيدى الامريكيين. وهذا ما بدأ يحدث فعلاً. فالشعوب العربية. الآن، في حالة هياج ضد ايران، بينما تستعد الجيوش الامريكية لتوجيه ضربات ساحقة للمليشيات الصدرية الحليفة للايرانيين، بعد ما جرى عزلها بتحميلها، وحدها، دماء الرئيس الراحل صدام حسين، وهكذا يكون المحتلون الامريكيون قد تخلصوا من الطرفين معاً، بحيث يمكن ارساء التحالف الجديد بين عبد العزيز الحكيم – ممثلاً شرعياً ووحيداً للشيعة – وطارق الهاشمي- ممثلاً للسنة- والأكراد.
مصلحة ايران الاستراتيجية الآن، تكمن بالخروج من أزقة الاقتتال المذهبي والمليشيات والاطماع الاقليمية الوهمية في العراق، الى فتح جبهة العراق، عن طريق «أ» سحب اعترافها بالعملية السياسية الاحتلالية «ب» دعم المقاومة العراقية وتوسيعها «3» استخدام نفوذها الأدبي لوقف التذابح المذهبي.
قلنا – ونقول للايرانيين ان هذه هي الطريق السالكة الوحيدة لإخراج الامريكيين من المنطقة، وحماية ايران وتعزيز قوتها وضمان مستقبلها- لا بتحطيم العراق. وانما بالمساعدة الحثيثة لضمان وحدة وسيادة وقوة العراق.
ليس امام ايران سوى ان تقبل بالعراق قوة اقليمية وشريكاً مستقلاً. او أنها سوف تسقط هي في براثن الامريكيين والصراعات المذهبية والأثنية.
وبالنسبة للدول العربية. فإن الحوار مع ايران هو الآن اكثر من اي وقت مضى، ضرورة. اولاً من اجل ضمان وحدة وسيادة العراق، وثانياً من اجل مواجهة الخطر الاسرائيلي.
و«الحوار» لا يعني التأييد او القبول أو التبعية؛ بل يعني التفاوض لتحقيق المصالح المتبادلة، وتفويت الفرصة على التحالف الامريكي – الاسرائيلي، لإغراق المنطقة في المزيد من الصراعات المذهبية والقومية.
***
فلننتبه من الغضب! فالرؤوس الحامية لا تخدم سوى الأجندات المعادية.