منطقة خطر
ناهض حتّر
ليس هذا تعليقاً فنياً، بل هو، في الأساس، تعليق سياسي. ذلك لأنه يريد أن يثير ملاحظة سياسية، ولأن الدرامة السينمائية والتلفزيونية السورية، هي، في العمق، ظاهرة سياسية.
لسوء حظ الجمهور الأردني، فإنه لم يشاهد الانجازات السينمائية السورية الحديثة، لا في دور السينما ولا على شاشة التلفزيون -وليتنا نشاهدها فى مهرجان خاص في عمان، يعوّضنا عن القطيعة في التعامل السينمائي التجاري بين البلدين الشقيقين الجارين – ولكن جمهورنا يتابع، بشغف ودهشة، المسلسـلات التلفزيونية السورية، ويقدر ما تمنحه اياه من متعة فنية تثير فيه القدرة على التفكير، وتوقظ أحاسيسه الإنسانية والقومية. ويحسّ المشاهد الأردني -الذي خربت الأعمال التلفزيونية العربية والأميركية ذوقه الفني-بأن الأعمال السورية شيء مختلف، يلامس أعماقه، ويحرض أشواقه نحو درامة أردنية وعربية ترقى إلى المستوى السوري.
لم تصل الدراسة التلفزيونية السورية الى هذا الرقيّ لأسباب فنية وتقانية، أي لأسباب تتعلق بقدرات كتاّب السيناريو والمخرجين والممثلين وكادرات الابداع التلفزيوني الأخرى – وهي قدرات عالية بلا شك – ولكن لأن المجتمع العربي السوري الحديث، تكوّن، فيما يبدو، وبدأ يعي ذاته، ويعبّر عن هذا الوعي. وبالرغم من أن هذه الحركة من الوعي الاجتماعي السياسي بالذات قد ولدت حساسية فنية تجلت في الرواية والقصة السوريتين، وفي المسرح والتشكيل في سورية؛ إلّا أن سيطرة التلفزيون بوصفه وسيلة الاتصال الاجتماعية الأساسيّة، فرضت على الحساسية الفنية تلك، التعبير عن نفسها، بالأساس، تلفزيونياً.
يلعب التلفزيون، في العالم الحديث، دوراً محورياً في تنظيم الوعي الجماعي. وهو، في العادة، دور سلبي. أي أنه يفرض تصورات الأقلية على الأغلبية. ولكن القناة التلفزيونية السورية لها، في الوقت نفسه، دور ايجابي، أي أنها تسمح للوعي الاجتماعي بالذات، أي لوعي الأغلبية، أن يعبّر عن نفسه بواسطة اداة الاتصال المحورية في المجتمع الحديث، أي التلفزيون؛ ولكن، بطبيعة الحال، في حدود الدرامة التي، لهذا السبب، احتشدت احتشادا لا نظير له، فاغتنتْ وفاضت بالأحاسيس والرؤى والابداع!
هذه المساحة الديمقراطية الحقيقيّة-وهي التي تزدهر في ظلالها الدرامة السورية -وهي حصيلة التقاء بين مجتمع تكون، ووعى ذاته، وتبلورت فيه ضرورة التعبير الفني عن الذات الاجتماعية؛ وبين دولة تعي ذاتها بوصفها مركزاً قومياً، وتسعى الى التكوّن على هذا الاساس.
في الحقبة الليبرالية والناصرية في مصر، كانت الدرامة السينمائية تلعب هذا الدور التاريخي؛ وعندما انهار المشروع القومي المصري، لم يبق من ذلك سوى الادوات الفنيّة التي استخدمها المسلسل التلفزيوني المصري الذي لا يعدو كونه منْتجاً تجارياً لا يحتشد للتعبير عن مجتمع، ولكن لانتاج تعبير تلفزيوني صالح للتسويق لدى المحطات الخليجية. وهذا هو ما فعلناه في انتاجنا التلفزيوني ايضاً!