الخصاونة في سلك الإخوان

شنّ رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة هجوماً على النظام الأردني لإصراره على استبعاد الإخوان المسلمين من المشاركة في الحكم، واعتبر أن هذه المشاركة بالذات هي المخرج الوحيد من الأزمة القائمة. وبهذه المناسبة، اعتبر أن مناهضي الإخوان من المثقفين والكُتّاب ‘ مأجورون’.
تكشف هذه التصريحات -أولاً- عن طبيعة المشروع السياسي لحكومة الخصاونة التي جاءت بمهمة وحيدة: هي عقد صفقة سياسية مع الإخوان، وإلحاق الأردن بالمحور التركي القَطري الإخواني. وهو بالطبع، خيار كان مغرياً في نهاية 2011، ولكن ليس في الأردن؛ حيث الأخونة تعني شيئاً واحداً هو التأسيس للوطن البديل.

اليوم، أصبح خيار الخصاونة من الماضي؛ فالمحور المذكور على وشك تلقي هزيمة نكراء في سورية التي ستظل كما تُنبئ معطيات التسوية الأمريكية الروسية بشأنها، في الجانب الروسي من تقسيم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، وأما التجربة الإخوانية في تونس ومصر، فهي ستنجح في شيء واحد هو أنها ستظهر للجماهير أن الإخوان ليسوا سوى نسخة متدينة من الأنظمة القديمة.

اتضح ، في ظل ما يسمى الربيع العربي، أنه ليس لدى الإخوان المسلمين عقيدة العداء لإسرائيل كما أوهمونا في العقدين السابقين. بالعكس، يمارس محمد مرسي اليوم ما كان حسني مبارك عاجزاً عنه من التنسيق الأمني ‘ غير المسبوق’ مع الإسرائيليين، ليس فقط في حصار غزة، وإنما أيضاً في هدم الأنفاق التي تؤمّن للمحاصَرين احتياجاتهم الضرورية، وفي تعقّب وقتل واعتقال الجهاديين الإسلاميين في سيناء. وتنقل ‘ هآرتس’ ، منذ يومين، دهشة مسؤولين إسرائيليين إزاء ما تظهره الرئاسة المصرية من تعاون بنّاء مع تل أبيب، حتى أن مرسي- شخصياً- يهتم الآن بتأمين مقر دائم للسفارة الإسرائيلية في القاهرة، وهي التي تقيم منذ السادات في شقة في عمارة.

يبدو أن الخصاونة كان يعرف هذا المآل للموقف الإخواني من إسرائيل. وهي نقطة تسجّل لذكائه؛ فما كان ليقترح تحالفاً يضر بتل أبيب، علماً أن الإنجاز السياسي المحلي الوحيد للرجل يكمن في مساهمته البارزة في تذليل الخلافات المتعلقة بالتوطين في معاهدة وادي عربه( 1994) التي نال على إثرها تقدير الإسرائيليين وصداقتهم، مما كان له أبلغ الأثر في حصوله على منصب دولي.

الإخوان بدورهم يعرفون كل شيء عن تاريخ الخصاونة، وقد حالفوه بسبب هذا التاريخ بالذات. أي أنهم من خلال التحالف مع قطب من أقطاب وادي عربة وشخصية تحظى بعلاقات ودية مع الإسرائيليين، أرادوا أن يرسلوا رسالة ضمانات لتل أبيب، بحيث لا تعترض على مشاركتهم في حكم البلاد.

اقتراح الخصاونة لأخونة النظام الأردني لا يتعارض أيضاً مع السياسات النيوليبرالية المتبعة؛ فمرسي يحيط نفسه برجال المال والأعمال من التحالف المباركي الإخواني، وحتى الاقتراض من صندوق النقد الدولي أصبح شرعياً، والخضوع لاشتراطاته أصبح واجباً وطنياً.

تشهد الحريات – خصوصاً الثقافية والإعلامية والشخصية – في تونس ومصر انحساراً غير مسبوق. والجديد الذي اعتمده الإخوان هنا يقع في باب القمع؛ وهو اتهام معارضيهم بأنهم ‘كفرة أو صليبيون أو مأجورون’ بمعنى أن دوافع هؤلاء المعارضين ليست سياسية أو فكرية أو ثقافية، وإنما هي دوافع خبيثة. وهي محاكمة تعكس عقلية استبدادية تجرّم المعارضة من حيث المبدأ. وحين يصف الخصاونة الكتّاب الذين يعارضون الإخوان بأنهم ‘ مأجورون’، فهو يعبّر عن تلك العقلية الاستبدادية بالذات، سيما أنه يعرف جيداً أن الأجور المغرية فعلاً هي لدى حلفاء قطر الثرية وأصدقاء واشنطن وأصحاب الهدنة مع تل أبيب.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.