في سرعة لافتة, تراجع رئيس الوزراء عن رغبته في تعديل المادة 74 من الدستور, وعدّل موقفه السلبي من برنامج هيكلة القطاع العام. وكان هذان التوجهان الحكوميان محلّ غضب الحراك الشعبي. أكثر من ذلك سعى إلى ملاقاة مطلبين أساسيين للحراك يتعلّق أولهما بمراجعة واستعادة الشركات المخصخصة, وثانيهما بمحاكمة الفاسدين أمام القضاء, بدلا من دراسة الملفات لدى جهة إدارية هي هيئة مكافحة الفساد.
وقد لفتتني معالجة الرئيس لقضية خصخصة المواقع الأثرية, حين استجاب لإلغاء القرار العجيب الذي اتخذته حكومة البخيت بخصخصتها.
ويدلّنا ذلك على أن الرئيس يتمتع بمرونة سياسية غير مسبوقة, تهدف إلى خلق حالة من الرضا لدى البرلمان و قوى المعارضة والحراك والصحافة, في إطار استراتيجية أعلنها منذ تكليفه. وهي استعادة الثقة الشعبية بالحكم.
لكن الرئيس ¯ وأظنه ما يزال يتلمّس طريقه إلى اكتشاف الواقع السياسي الجديد في البلاد ¯ لم يدرك بعد عمق الانقسام الحاصل في المعارضة الأردنية, بحيث أن استجاباته الودية للمطالب المطروحة يضرب بعضها بعضا, ويجعله, في النهاية, مثل ‘معايد القريتين’. وعلى سبيل المثال, فإن إدانته سحب الجنسيات (حوالي 4000) من دون إدانة منح الجنسيات (حوالي 84000) وتصريحاته حول وجود خطأ دستوري في ملف العلاقة مع حماس, أثارت القلق العميق حول موقفه من فك الارتباط, مما طغى على الصدى الإيجابي لتصريحاته حول مكافحة الفساد والخصخصة.
كذلك, فإن اكتساب رضا البرلمان بالتوجه نحو تأجيل الانتخابات النيابية إلى ,2013 سوف يجلب الغضب والمشاكل للحكومة من قبل قوى المعارضة بكل أطيافها.
ويميل الرئيس إلى اعتماد قانون 1989 للانتخابات . وهي صيغة ترضي التقليديين ولا تتعارض مع مصالح الإخوان المسلمين. ولكنها تشكّل ارتدادا عن مقترحات لجنة الحوار الوطني التي تمثل الإجماع وتحظى بضمان شخصي من الملك عبد الله الثاني معا, ولم يعد التراجع عنها ممكنا إلا بمعركة مفتوحة نظنّ أن الحكومة والنظام والبلد في غنى عنها.
يحتاج الرئيس إلى نصيحة مخلصة بقراءة المشهد السياسي المحلي بكل مستجدّاته وقواه وعناصره واتجاهاته, لكي يتوصّل إلى خطاب فعّال يمكن ترجمته في برنامج. لكن نقطة الخلل الأساسية في حكومة الخصاونة, تظلّ تكمن في الرجال. وهو ما ينبغي أن يعالجه في إجراء تعديل عاجل على حكومته. ومع ذلك, فإنه يستطيع في أقرب فرصة أن يبادر إلى تنفيذ عمليتين ضخمتين.
(1) ففي شأن ملفات الفساد الكبيرة لا يحتاج الأمر إلى إجراء المزيد من المناقشات بشأنها, بل إلى اتخاذ قرار بإحالتها, جميعا, إلى النيابات العامة, وبدء التحقيقات فيها بصورة متزامنة. وهو قرار يخضع للولاية العامة للحكومة, ويمكن اتخاذه من دون تأخير.
(2) وفيما يتصل بمراجعة الخصخصة, هنالك مستويان للبحث في هذا الشأن, أحدهما قضائي يتعلق بما شاب عقود البيع من شبهات فساد, والثاني يتعلق بالعقود نفسها التي تعطي للشركاء كامل السيطرة على الشركات, وتمنحها إعفاءات وتسهيلات غير عادلة بالنسبة للخزينة. وعلى سبيل المثال, ففي اتفاقية بيع حصص من الفوسفات للشريك الأجنبي, هنالك التزام حكومي إذعاني بالحفاظ على قيمة لرسم التعدين لا يزيد على دولارين للطن, بينما القيمة العادلة اليوم تصل إلى عشرين دولارا على الأقل. وهذا دخل كبير فائت على الخزينة ينبغي استدراكه.
ما يزال لدى الحكومة – والضمان – حصص وازنة في العديد من الشركات المخصخصة. وكخطوة أولى في معالجة هذا الملف, يمكن للحكومة البدء بمراجعة عقود الشراكة وتفعيل دور ممثلي القطاع العام في إدارة تلك الشركات. وهي خطوة لا تحتاج إلى الأموال ولكن للإرادة السياسية. وفي خطوة تالية يمكن تكوين شركة قابضة مساهمة عامة لإعادة شراء الحصص الأجنبية.0
(العرب اليوم)